لا يشعر الشيعة بالأمان إلا مع بقاء الحشد الشعبي.
بقلم/ سليم الحسني
لقد دفعوا ملايين الضحايا من الشهداء والجرحى والمعوقين، وكادوا يفقدون مدنهم ويتشردون عن مناطقهم لو لا تشكيل الحشد الشعبي وانطلاقته التاريخية بعد فتوى المرجع الأعلى السيد السيستاني.
لقد شعر الشيعة بأن حياتهم آمنة طالما الحشد الشعبي موجوداً على الأرض، يؤدي واجب الحماية والتصدي للجماعات الإرهابية. ورغم وجود مخالفات ومضايقات من بعض أفراد الحشد ومن بعض قادته إلا أن الشيعة بشكل عام يجدون بأن الحشد هو القوة الحقيقية القادرة على حمايتهم. وتتعزز هذه القناعة عندما ينظرون الى الجيش فيجدونه مؤسسة فاسدة منخورة بالرشا والسرقة والابتزاز والصفقات.
يعلم الكثير من الشيعة بأن بعض فصائل الحشد الشعبي يقودها أشخاص فاسدون سيئون لا تهمهم سمعة الحشد ولا سمعة أبطاله وشهدائه وتضحياته. وليس أمامهم سوى انتظار هيئة الحشد الشعبي والقيادات المخلصة أن تقوم بتطهير هذه القوة الجبّارة من الطارئين والمعتاشين واللصوص.
حين تولى حيدر العبادي رئاسة الوزراء، كان يعرف نظرة الشارع الشعبي للحشد الشعبي واعتزازه به وإيمانه بقوته والاطمئنان لحمايته. لكن العبادي لم يكن يمتلك عقلية الفهم الشعبي، ولا نظرة رجل الدولة الذي يحدّق في القريب والبعيد، وهذا ما جعله يرتكب عدة أخطاء في تعامله مع الحشد، ومنها في بداية عمليات التحرير. لقد خضع لتقديرات قادة الجيش والقيادة الأمريكية، وأراد إضعاف الحشد الشعبي، لكنه سرعان ما وجد نفسه في مأزق خطير، فغيّر موقفه بسرعة واستعان بالحشد مجبراً ليحقق نصراً ينفعه في الانتخابات.
لم يكن العبادي وفياً مع الحشد، فعاد الى محاولة إضعافه لإرضاء السيد مقتدى الصدر، ولتحقيق رغبة أمريكا وبذلك يضمن ولاية ثانية سهلة، يكرسها لإضعاف الحشد الشعبي تدريجياً حتى ينتهي به الى التلاشي. لكن الأمور لم تأت كما كان مخططاً.
عندما تولى عادل عبد المهدي رئاسة الوزراء لم يكن مهتماً بوضع الحشد والمؤسسة العسكرية والدولة والقوانين والفساد، كان الرجل الذي يمهد للفوضى أن تشتعل في العراق، وقد فعل ذلك ولو أنه أكمل ولايته لكان العراق حالياً دولة منكوبة بالاقتتال الشيعي ـ الشيعي.
حين آلت الأمور الى مصطفى الكاظمي بعد فراغ طويل وخراب سريع، وجد نفسه أمام شبح دولة، خزينة خاوية، اقتصاد منهار، وزارات ومؤسسات يعصف فيها الفساد، وباء ينتشر بسرعة، وكشك صغير على ناصية الطريق له هيبة أكبر من هيبة الدولة.
أعلن الكاظمي برنامجه الحكومي وهو برنامج روتيني مكرر عن نسخ سابقة لرؤساء الوزراء، اعتاد عليه المواطن العراقي وملّ سماعه. فما يهم المواطن هو الإجراءات التي يراها على الأرض وليس الكلام.
كان الكاظمي يعرف أن الحشد الشعبي مسألة حساسة، فلجأ الى التقرب منه، وأعلن عن دعمه وقناعته به، وكتب تغريدة (حشدنا وجيشنا) ثم زار قيادته وارتدى ملابسه في إعلان واضح على أنه حشديّ التوجه.
كانت خطوة الكاظمي هذه مهمة، خدمته بعض الشيء بعد الكلام الذي لحقه عن ولائه الأمريكي، وارتباطه برجال واشنطن. وبعد الإتهامات الشديد بتورطه باغتيال القائدين الشهيدين في عملية المطارـ تحذف إدارة الفيسبوك المقال لو كتبت اسميهما رحمهما الله ـ وكانت كتائب حزب الله قد طاردت الكاظمي بهذه التهمة بضراوة حتى يوم التصويت على حكومته.
في هذه النقطة كان هناك فراغ خفي، استفادت منه الأجهزة الأمريكية، واستغله بعض رجالها المقربين من الكاظمي، لزجّه في مواجهة لا يريدها، على الأقل في هذا الظرف وفي هذا التوقيت.
أوصلت القيادة الامريكية معلومات سرية الى مدير مركز العمليات الوطني ضياء عبد العزيز، بوجود مقر لمسلحين ينوون استهداف المنطقة الخضراء السفارة الأمريكية بالصواريخ. وكانت هذه المعلومة هي التي أوقعت الكاظمي في مواجهة مع الحشد الشعبي.
كانت المعلومات التي تجمّعت عند الكاظمي ومصدرها الأساس ضياء عبد العزيز، عن وجود هذا المقر، وأن المجموعة غير تابعة للحشد الشعبي، وأن الطائرات الأمريكية ستقوم بقصفها فجر يوم الجمعة ٢٦ حزيران.
وقع الكاظمي في دائرة التضليل، وحدث ما حدث.
النقطة الأهم في هذا التخطيط، ان الاستهداف جاء لكتائب حزب الله، أي للجهة التي تتهم الكاظمي بعملية المطار، وبذلك ستبدو الضربة على أنها عملية انتقامية من الكاظمي ضد الجهة المعادية له. وهذا لو تحقق فستبدأ المعركة بين رئيس الوزراء والكتائب، وتتسع الى الحشد الشعبي، ولن يكون أمام الكاظمي إلا خوض المعركة ضد الحشد الشعبي.
تم احتواء الأزمة، وجاء وقت الاستفادة منها. الكاظمي عليه أن يعيد النظر في بعض مقربيه. عليه أن يبدأ بالتحقيق مع مدير العمليات الوطني. بغير ذلك فأنه سيجعل من الشكوك قناعة عند الاخرين بأنه يستهدف الحشد الشعبي، وسأكون أنا شخصياً أول المقتنعين بأنه يستهدف الحشد، وأول الموقنين بخطر الكاظمي على شيعة العراق.