سكاي برس/ بغداد
يعاني الشرق الأوسط من تزايد الجفاف وشح المياه، وهذا يؤثر أيضا على إنتاج الكهرباء والطاقة النظيفة. فهل هناك حلول لهذه المشكلة؟ وما هو الدور الذي يلعبه تغير المناخ في ذلك؟
يعاني المزيد والمزيد من الناس حول العالم من الجفاف الشديد وندرة المياه، ومن أسباب تفاقم المشكلة تغير المناخ الذي يسببه الإنسان وتأثير الطقس المؤقت لظاهرة النينيو. وشح المياه يؤثر على توليد الكهرباء من المحطات الكهرومائية، التي تعتبر حاليا المصدر الأكبر لتوليد الطاقة المتجددة.
فخلال عام 2023 تم توليد حوالي 14 بالمائة من استهلاك العالم للكهرباء من المحطات الكهرومائية، وحتى عام 2050 يجب أن تتضاعف الكمية، حسب الوكالة الدولية للطاقة، من أجل تحقيق هدف عدم تجاوز الاحترار 1,5 درجة مئوية.
وفي النصف الأول من عام 2023 تراجع توليد الطاقة من المحطات الكهرومائية بنسبة قياسية تاريخية بلغت 8,5 بالمائة، والسبب الرئيسي لذلك هو فترة الجفاف الشديد وجفاف مياه الأنهار والخزانات في الصين، التي تولد معظم الطاقة الكهرومائية في العالم.
دجلة والفرات لا يستطيعان تغذية المحطات الكهرومائية
منذ مدة طويلة تعاني محطات التوليد الكهرومائية في الشرق الأوسط من تزايد الجفاف، وخاصة في منطقة كانت من أخصب المناطق حيث يجري نهرا الفرات ودجلة. فوادي الرافدين "واحد من أسرع مناطق العالم جفافا" يقول بنيامين بول، مدير برنامج دبلوماسية المناخ والأمن في مركز "آدلفي" الألماني للأبحاث.
وينبع نهرا دجلة والفرات من شرق تركيا ويعبران سوريا إلى العراق ويصبان في الخليج. نظام هذين النهرين كان يغذي "مهد الحضارة الإنسانية" يضيف بول في حواره مع DW. لكن وبسبب استمرار الجفاف والتبخر العالي وقلة هطول الأمطار، يستمر تراجع الموارد المائية أيضا. ولذلك تواجه البلدان المتشاطئة تزايد مشاكل تزويد الزراعة ومحطات الطاقة بالمياه اللازمة.
وبالنسبة للمحطات الكهرومائية التي بنيت قبل 30 عند منابع نهري دجلة والفرات في تركيا، تراجع انتاجها من الطاقة بنسبة تبلغ حوالي 25 بالمائة، وذلك حسب دراسات أجراها خبير المياه، دورسن يلدز، مدير جمعية السياسة المائية التركية غير الحكومية.
ويقول بلدز "إن تراجع انتاج الكهرباء يتعلق بشكل وثيق بالجفاف في المنطقة".
ويربط تراجع هطول الأمطار والثلوج بتغير المناخ. وبالتالي سينخفض منسوب المياه الحالي في نهر الفرات بنسبة 30 إلى 40 بالمائة حتى نهاية القرن.
كذلك يؤثر نفص المياه على بلدان المصب أيضا.
أزمة الكهرباء في العراق
كما أن السدود في إيران تقلل "تدفقات المياه في العراق" يقول بنيامين بول، مدير برنامج دبلوماسية المناخ والأمن في مركز "آدلفي" الألماني للأبحاث.
وحسب دراسة أجراها سمير الجبوري، خبير الطاقة بجامعة الكتاب في كركوك شمال العراق، فإن تدفق مياه النهرين قد تراجع عام 2019، لأن الدول المتشاطئة مثل تركيا تحتجز المياه من أجل الري ومحطاتها الكهرومائية. واستخدم الجبوري 12 نموذجا مناخيا مختلفا لحساب تباطؤ تدفقات المياه خلال عقود.
ويتوقع أن يسرّع تغير المناخ هذا التراجع للمياه، ويؤدي حتى 2050 إلى خسائر في الطاقة الكهرومائية من 5 إلى 18 بالمائة. قد يبدو هذا قليلا مقارنة بالتراجع الحالي الذي يصل إلى 25 بالمائة في تركيا، لكن الخسائر الإضافية في انتاج الكهرباء "على الأرجح ستزيد العبء على نظام الطاقة في العراق" يقول الجبوري .
والآن يعاني العراق من مشكلة تأمين حاجته من الكهرباء، والطاقة الكهرومائية تعتبر مصدرا مهما للطاقة المتجددة، من أجل تقليل الاعتماد على الطاقة الأحفورية مثل النفط والغاز.
وقد أصبحت فترات الجفاف الشديد في حوضي دجلة والفرات أكثر حدوثا وتواترا بشكل ملحوظ، منذ ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
وهي تحدث الآن بمعدل كل عشر سنوات، فيما كانت تحدث سابقا كل حوالي 250 عاما، وفقا لتقرير أصدره مركز "إسناد الطقس العالمي (WWA)" للأبحاث في لندن والذي يدرس العلاقة بين ظواهر الطقس المتطرفة وتغير المناخ.
وحيث يعاني الناس في العراق من الجفاف والحر الشديد، يمكن أن تكون الطاقة المتجددة والمحطات الكهرومائية وسيلة لمكافحة تغير المناخ وتأمين الطاقة، في عصر ما بعد الطاقة الأحفورية، يقول خبير الطاقة سمير الجبوري.
ويقترح الجبوري بناء محطات طاقة كهرومائية أكثر كفاءة، وتحسين إدارة الموارد من خلال إعادة تدوير المياه وبناء سدود صغيرة لتخزين الفائض من مياه الأمطار.
"إعادة تدوير المياه والسدود الصغيرة، وسيلة قيمة لمعالجة مشكلة نقص المياه على المستوى المحلي وتحسين مقاومة الجفاف" وعلاوة على ذلك "فإن الممارسات الزراعية المقاومة للمناخ والتعاون الإقليمي" أمر حاسم من أجل أفضل استخدام ممكن للموارد المائية الثمينة.
ندرة المياه تتطلب تعاونا إقليميا
وفق حسابات مركز "WWA" للأبحاث كان الجفاف في حوضي دجلة والفرات ما بين عامي 2020 و2023 "هو ثاني أسوأ جفاف منذ بداية التسجيل" وكان "سبب ذلك ارتفاع درجات الحرارة".
وكان لذلك تأثير شديد على جزء كبير من السكان، الذين يعتمدون على مياه الأمطار لري الأراضي الزراعية. "بعض المناطق في سوريا والعراق قد جفت تماما" تقول نعمة شريف الباحثة السورية المقيمة في ألمانيا وهي خبيرة في إدارة المياه بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وبسبب الجفاف الذي يزداد سوءا، هجر الكثير من الناس قراهم. وتقول شريف إن "حروب المستقبل ستندلع بسبب المياه" وذلك نتيجة الخلاف على حصص المياه وبناء السدود، وخاصة في تركيا، وتضيف بأن هذا "موضوع سياسي أيضا".
ويؤكد الباحث بنيامين بول، أن التعاون والإدارة الأفضل للمياه من "مصلحة الجميع"، كل الدول المتشاطئة على طول نهري دجلة والفرات. كما أن التعاون مهم جدا من أجل الحصول على كهرباء نظيفة من المحطات الكهرومائية والتخفيف من آثار أزمة المناخ.
والدول التي تعاني من الحروب مثل العراق وسوريا، تبحث عن استثمارات لكي تتكيف بشكل أفضل مع تغير المناخ. إضافة إلى ذلك، فإن تحديث الاتفاقيات القديمة حول تقاسم مياه دجلة والفرات مهم جدا وأمر أساسي من أجل "زيادة استخدام الموارد في المنطقة بأكملها" يقول بنيامين بول.
ولكن حتى الآن ليست هناك مفاوضات حول اتفاقيات جديدة ملزمة. كذلك ترى خبيرة المياه السورية نعمة شريف أيضا، أن التعاون الإقليمي أمر ملح في ضوء تضاؤل الموارد المائية، وتقول "يجب أن نجلس إلى طاولة المفاوضات".