بغداد/ سكاي برس
حذرت الأمم المتحدة من أن العراق يواجه تحديات متشعبة، ومؤسساته تواجه مشاكل عميقة الجذور، وفيما نوهت إلى أن الفساد مستشر على جميع المستويات، شددت على أن تنظيم 'داعش' لا يزال يشكل تهديدًا قائمًا.
وقالت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس-بلاسخارت في احاطة الى اجتماع لمجلس الامن في نيويورك الليلة الماضية، انها تستهل احاطتها بالحديث عن زيارتها أخيرا إلى إحدى المقابر الجماعية في صحراء السماوة الجنوبية برفقة الرئيس برهم صالح، حيث تمثل هذه المقبرة شهادة صارخة على جرائم صدام حسين المرعبة تجاه العديد من أبناء شعبه، وكانوا في تلك الحالة من الشعب الكردي.
وأوضحت انها كانت تجربة مؤثرة بشدة، مما يؤكد مرة أخرى أن ماضي العراق الذي تميز بالعنف وغياب القانون ما زال يلقي بظلاله على حاضره، لكن تلك التجربة أوضحت أيضاً كم كان التحول في العراق من الديكتاتورية إلى الديمقراطية خارجاً عن المألوف في القرن الحادي والعشرين.
واضافت انه من أجل أن تترسخ الديمقراطية بحق فهي تحتاج وقتا...الكثير من الوقت والكثير من العمل الشاق. وقالت 'يتوجب علينا أن نقر بأن الصراع السياسي الداخلي الجاري حالياً يمثل عقبةً مُكلفة فبعد مرور عام كامل على الانتخابات العامة، ما زال يتعين تسمية وزراء لشغل حقائب وزارية مهمة: وهي الداخلية والدفاع والعدل والتربية، فلم تُبدِ الأحزاب السياسية حتى الآن أنها مستعدة لتقديم تنازلات'.. موضحة 'ولكن يتعيّن الفهم أن التنازلات السياسية ليست دليل ضعف، بل هي في واقع الأمر دليل على النضج السياسي ومن متطلبات القدرة على التكيف'.
وبينت انه بخطى بطيئة، ولكنها واثقة، يجري حالياً اختيار رؤساء ونواب رؤساء ومقرري اللجان النيابية، وكان ذلك يمثل عقبة رئيسة في طريق المباشرة بالعمل البرلماني. لم يكتمل ذلك بعد، لكن قد آن الأوان بالفعل، حيث لا تزال قوانين مهمة بانتظار التشريع.
في ما يخص مفاوضات تشكيل حكومة إقليم كردستان، فهناك تقدم مهم محرز أخيراً، فبعد 218 يوماً من المفاوضات تم التوقيع بتاريخ 5 مايو الحالي على اتفاق تشكيل حكومة إقليم كردستان الجديدة. ولتجنب المزيد من المشاكل، يمكن أن تكون الحكومة الجديدة جاهزة في شهر يونيو المقبل.
وقالت 'لا أفشي سراً إن قلت إن السلطات والمؤسسات والآليات والمنظومات العراقية لا تزال تناضل ضد مشاكل عميقة الجذور غالباً ما أحبطت استجابات سريعة وقوية من جانب الحكومة للحاجات الملحّة كإعادة الإعمار والتنمية والأمن'.
ونوهت بأنه يمكن وضع مخطط لتصنيف هذه المشاكل كمجموعة من المصالح والذرائع الفردية، والتي يعود الكثير منها إلى مظالم واختلافات طويلة الأمد بين المكونات وبين الكيانات السياسية وبين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، وقد أضحى كل ذلك مترسخاً بشكل شبكات سلطة مخفية وخاصة، تعمل باستقلالية تسعى إلى تحقيق أهداف ومقاصد ضيقة.. وبشكل ما، يوضح ذلك أيضاً لماذا لم يتم الأخذ بصورة كاملة بالفرص العديدة الناشئة عن الجهود المكثفة للمصالحة'.
واشارت الى انه في هذا السياق، من الضروري أيضاً التطرق إلى آفة الفساد المستشرية على المستويات كافة في العراق، حيث انه يستهلك الأموال التي ينبغي أن تصرف على الخدمات العامة، ويذهب بتلك الأموال إلى جيوب خاصة، بدلاً من ذلك، كما انه يمنع أيضاً الأنشطة الاقتصادية، مما يعوق تطوير الأعمال، الذي يمكن أن تنتج منه عملية ايجاد وظائف في أمس الحاجة اليها.
قالت انه لمن المشجع انخراط الحكومة الواضح في التصدي لهذا الأمر، فقد أوضح رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على نحو جلي بأن 'الفساد يشوه صورة الدولة وسمعتها على الصعيدين المحلي والدولي' وهذا صحيح تماما في الواقع، فالفساد لا يشكك في مصداقية العراق فحسب، بل في مقومات استمراره واستجابته وفعاليته كذلك.
واوضحت أن التغيير لن يأتي بين ليلة وضحاها، لذا فمن المهم تسليط الضوء على قضية الفساد مراراً وتكراراً، حيث إن تحقيق نتائج ملموسة سيكون أمراً حاسماً من جوانب عدة، والأهم من ذلك أنها ستعيد ثقة الشعب والتي تعد عاملاً أساسياً للمزيد من التطوير للنظام الديمقراطي في العراق.
اما بالنسبة إلى القطاع النفطي، فقد اشارت الممثلة الاممية الى ان هذا القطاع النفطي هو عماد الاقتصاد العراقي، مع وجود إمكانات نفطية هائلة فيه لم تستكشف بعد. ولكن لتحقيق ذلك هناك تحديات مهمة تتعيّن معالجتها.
وبيّنت انه هنا أيضًا وباختصار: ينبغي أن ترجح كفة المصلحة العام على المصالح الخاصة أو الحزبية، مما يمكن البلاد بكاملها من الاستفادة 'وبناء على ذلك، أتطلع إلى تجدد الانخراط في القوانين المهمة المتعلقة بالنفط والغاز وتقاسم الإيرادات'.
واشارت الى ان هناك أمرا آخر، وهو أنه لا يمكن للعراق تحقيق إمكاناته الكاملة إلا من خلال المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الفاعلة للمرأة والشباب. وقالت 'قد شهدنا ونظمنا وشاركنا أخيراً في العديد من الفعاليات المتعلقة بالمرأة والشباب في جميع أنحاء البلاد، وعلى الرغم من كونها تجارب مفيدة لكل من شارك فيها، إلا أنني أود أن أحذر من التغيير الذي يكون مجرد إجراء شكلي، فالأمر يتعلق في نهاية المطاف بترجمة النوايا الممتازة إلى عمل إيجابي. ومن المؤسف أن العراق لم يعيّن بعد أول وزيرة'.
اضافت انه في سياق آخر، لكنه وثيق الصلة بالنساء والفتيات، 'هناك قانون مكافحة العنف الأسري، وهي قضية حساسة ومهمة في الوقت نفسه للعراقيين، وأود أن أشيد بالقيادة العراقية لاتخاذها خطوات مهمة نحو سن هذا القانون، الذي يقدم الحماية الكاملة للحقوق القانونية واحتياجات المأوى لكل ضحايا العنف الأسري، وأنا أعني الضحايا كافة: ليس فقط النساء والفتيات، وآمل بصدق أن يمضي المشرعون قدماً بهذا القانون بما يتفق مع الدستور العراقي الذي يمنع كل أشكال العنف والاعتداء داخل الأسرة'.
وقالت بلاخارست انه في سياق مختلف تماماً ويبعث على التفاؤل: 'بغداد تتفتح. فقريباً جداً لن تكون هناك منطقة خضراء، حيث حقق رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وعده من اليوم الأول بإزالة جدران الحماية الخرسانية وإعادة المدينة إلى أهلها.
لكنها اشارت الى ان الوضع الأمني سيظل في حاجة إلى مراقبة دقيقة، ليس فقط في بغداد، بل في جميع أنحاء البلاد، إذ تستمر الهجمات، كما شهدنا في الانفجارات والهجمات الانتحارية أخيراً.
ونوهت بأن هناك أمرًا آخر ذا صلة وثيقة بهذا الموضوع: لا يزال تهديد داعش قائماً، وكما قال أحد ممثلي التحالف: إن داعش يظهر مجدداً. لقد استراح وتحرك، وهو الآن نشط.
وقال الى انه في هذا السياق، 'أدرك تماماً أهمية استمرار الدعم الدولي واسع النطاق. هذا الدعم الذي يضمن أن يترك العراق الماضي العنيف خلفه، ويضمن ألا ينزلق العراق مرة أخرى إلى الاضطرابات التي خرج منها أخيرًا'.
وقالت انه بعبارة أخرى: لكي نمنع داعش من استعادة موطئ قدم قوي في العراق من الضروري أن يكون هناك نهج طويل الأمد.
واوضحت انه بالقدر نفسه من الأهمية هناك قضية مقاتلي داعش العائدين من سوريا إلى العراق مع عائلاتهم. وقالت إن عودة آلاف وآلاف من الأشخاص العراقيين وغير العراقيين لا تثير المخاوف المتعلقة بالأمن والقدرات فحسب، بل أيضاً مخاوف إنسانية وذات صلة بحقوق الإنسان. وكل ذلك ليس مشكلة عراقية فقط.
واشارت الى ان بعض الدول تفضل الاحتفاظ 'بمسافة استراتيجية' في ما يتعلق بمواطنيها، ولكن مرة أخرى للتوضيح: هذه ليست مشكلة عراقية فقط، وإذا تمت إدارتها بشكل سيئ سيؤثر ذلك علينا جميعاً في المنطقة، وأبعد من ذلك. وقالت انه إضافة إلى ذلك، إذا لم نعالج هذه المسألة على نحو ملائم، فإننا نخاطر بإيجاد أرض خصبة لجيل جديد من الإرهابيين.
وحذرت من ان هناك الآن هاجسًا أمنيًا بارزًا، وهو قضية الجهات المسلحة التي تعمل خارج سيطرة الدولة، وتنخرط في أنشطة غير قانونية أو إجرامية، وتمارس تأثيراً اقتصادياً واجتماعياً في جميع أنحاء البلاد.
وبينت انه من الواضح أن أنشطة هذه الأطراف تقوّض سلطة الدولة وتؤثر على المجتمعات المستضعفة وتضعف الاقتصاد الوطني وللأسف تمنع العودة السلمية للنازحين.
قالت انها في محادثاتها مع الحكومة العراقية رحبت بإجراءات معينة، مثل غلق ما تسمى المكاتب الاقتصادية غير المشروعة، ولكن الطريق سيكون بالتأكيد طويلًا، وبالتالي، ستكون من الأهمية بمكان مساءلة كل المجاميع المسلحة التي تقوم بأعمال إجرامية أو نشاط غير قانوني.
ورحبت بالجهود التي تبذلها الحكومة في إصلاح القطاع الأمني، وقالت لكن 'مع ذلك، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، ويعتبر إعادة تشكيل 'هيكل الأمن القومي' ذا أهمية خاصة، وهذا يشمل على وجه الخصوص وضع قوات الحشد الشعبي المستقبلي وإصلاح البيشمركة في قوة أمنية إقليمية واحدة.
وقالت انه مثلما رأينا خلال الصيف الماضي في التظاهرات التي انطلقت في جنوب البلاد،... يمكن لنقص المياه في العراق إشعال الاحتجاجات الاجتماعية، وهي مشكلة إذا لم تتم معالجتها فيمكن أن تبدد أية مكاسب تم تحقيقها.
واضافت انه على الرغم من أن هذا الشتاء الماضي شهد هطول أمطار غزيرة - بما في ذلك فيضانات كارثية واسعة النطاق - فإن الاعتماد البسيط على الأمطار الغزيرة ليس استراتيجية وطنية قوية للمياه. وقالت انه في زمن التغيير المناخي الحاد، يكون التخطيط بعناية لجميع الظروف الجوية القاسية ذا أهمية قصوى. وبالتالي وضع برنامج شامل لخزن المياه وإدارتها. ولكن أيضا لتعزيز البنية التحتية للبلاد والاستعداد بشكل أفضل للفيضانات.
واعلنت أن القيادة العراقية تواصل حواراتها مع النظراء الدوليين والإقليميين لتثبت نفسها على أنها شريك موثوق ومتمكن. ونوهت بأنه بالفعل، يمكن للعراق أن يكون عامل استقرار في منطقة مضطربة، وبدلاً من أن يكون ساحة للصراع، يمكن للعراق أن يوفر مساحة للمصالحة الإقليمية، ويمهد الطريق لحوار أمني إقليمي.
اضافت انه في الوقت نفسه، لا يمكننا تجاهل أن العراق يواجه تحديات خطيرة في منع أراضيه من أن تصبح مسرحًا لمنافسات مختلفة لذلك، لكل من يشعر بالتحدي أقول: إن فرض عبء إضافي على العراق هو حقاً آخر شيء يحتاجه هذا البلد.
واشارت الى انه في 29 ابريل الماضي بدأت الأمم المتحدة خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2019، تماشيا مع الخطط الإنسانية للعراق، لكن لا تزال الاحتياجات الانسانية كبيرة، اذ يستمر الكثير من المواطنين النازحين بمواجهة عراقيل خطيرة تعترض عودتهم إلى ديارهم.
تشمل هذه العراقيل: نقص الوثائق المدنية... وضع أمني غير مستقر بسبب المصادمات بين الجماعات المسلحة، فضلا عن مضايقات نقاط التفتيش ... وهي تشمل أيضاً المنازل المتضررة والملوثة ... وعدم كفاية الخدمات الأساسية ... إضافة الى تعرّضهم الى التمييز، وبعبارة أخرى: العراقيل متنوعة ومعقدة ومتشابكة، نتج منها للأسف توقف في حركة عودة النازحين الى ديارهم.
واوضحت ان صندوق تمويل الاستقرار بلغ مرحلة رئيسة من خلال إعادة تأهيل أول 1000 وحدة سكنية من أصل 15000 منزل مخطط لإعادة تأهيلها في مدينة الموصل القديمة. وجاء هذا المنجز استكمالاً للنجاحات السابقة في إعادة تأهيل المساكن في محافظة الانبار، حيث تمت بالفعل إعادة تأهيل الآلاف من المنازل.
إضافة إلى ذلك، أكمل صندوق تمويل الاستقرار إعادة تأهيل العديد المنشآت، مثل جامعة الموصل - التي تستضيف حاليا أكثر من 20000 طالب. وأيضاً تم ترميم جسر رئيس ثالث في غرب الأنبار، ما يسمح لأكثر من 75000 شخص بالحصول إلى الخدمات الأساسية، مثل المستشفيات والمدارس.
اما بالنسبة إلى المفقودين الكويتيين ورعايا البلدان الأُخرى والممتلكات الكويتية المفقودة، ومن ضمنها المحفوظات الوطنية فقد ثمنت الدول الأعضاء في الآلية الثلاثية الأطراف لتوفير صور الأقمار الصناعية التي، إضافة الى افادات الشهود، كان لها دور حيوي في تحديد المواقع المحتملة لمفقودين كويتيين.
وبينت انه بعد سنوات من العمل الشاق من قبل الكثيرين، وبهذه المناسبة أود أن أثني على الجهود التي بذلتها أخيرًا وزارة الدفاع العراقية على وجه الخصوص. وآمل بصدق أننا سوف نتمكن من الإعلان عن نتائج إيجابية في وقت قريب. وقالت انه من الواضح، انه من المهم أن يواصل العراق جهوده، بما في ذلك تحديد موقع المحفوظات الوطنية وغيرها من الممتلكات الكويتية. ونحن جميعا ندرك أهميتها باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من التراث الوطني الكويتي.
وختمت ممثلة الامين العام للامم المتحدة في العراق إحاطتها بالاشارة الى زيارتها الأخيرة الى مدينة سنجار الشمالية موطن الايزيديين 'والتي تجمع بين كثير من النقاط التي أثرتها تواً ففي سنجار، رأيت دمارا فظيعاً. لقد كان ذلك ما فعله داعش قبل خمس سنوات مضت.
للأسف، لم تحدث تغييرات تذكر منذ تحرير سنجار. ولا يزال الكثير من الناس يعيشون في خيم على الجبل الذي هربوا اليه مع بداية الحملة الإرهابية
واوضحت انه في شهر اغسطس المقبل سيُحيي العالم ذكرى الأحداث المروعة التي وقعت قبل خمس سنوات، إلا أن وجودَ إدارةٍ واحدةٍ وتوفيرَ الأمن كأساس لإعادة إعمار سنجار، لم يتحققا بعد. وحذرت من ان استمرار الفشل في تحقيق ذلك هو اجحاف واضح ولذلك يتوجب على القيادة العراقية في كل من بغداد واربيل التحرك الآن بشكل عاجل وحاسم.
وقالت 'نعم، ان التحديات التي تواجه العراق هي تحديات متشعبة، بيد أنه ازاء كل هذه التحديات أود أن أعرب عن التزامنا المستمر والقوي بالمساعدة والدعم حيث يمكننا ذلك'.. واوضحت ان الرئيس برهم صالح في وقت قريب جداً قد صرح بأن الوضع في العراق ليس جيداً، لأن الشعب العراقي يستحق أفضل من ذلك بكثير، ومع هذا، فإن الوضع يتجه نحو التحسن، وهذا سيستغرق بعض الوقت. ولكننا سوف ننجح بعزم كبير وعمل منسق وحاسم، كما قال.