Skip to main content

مناشدة إلى رئيس الوزراء والبرلمان: زيادة رواتب الموظفين جميعاً… لا التربويين وحدهم

المقالات الخميس 10 نيسان 2025 الساعة 17:10 مساءً (عدد المشاهدات 283)

كتب: مراد الغضبان

منذ أيام، تدور موجة صاخبة في البلاد حول زيادة رواتب التربويين، وكأن المعاناة توقفت عند حدود هذه الفئة. نعم، نُقِر أن التربويين يعانون، لكن هل نُنكر أن آلاف الموظفين في باقي الوزارات يعيشون تحت نفس الضغط؟ بل أحياناً أقسى؟

المعادلة غير متوازنة. والقرار اليوم ليس إنصافًا بقدر ما هو انحياز ظرفي فرضته لعبة سياسية محكمة. التربويون لم يخرجوا إلى الشارع عبثًا، بل اختاروا توقيتهم بدقة. احتجوا في وقت حساس، أربك الحكومة، وأحرج البرلمان. فترة ما قبل الانتخابات، حيث الجميع يهرول لضمان الأصوات، وحيث لا أحد يريد أن يصطدم مع الشارع.

فمن الطبيعي أن نرى معظم السياسيين يسارعون لتأييد مطالب التربويين، لا حبًا بهم، بل خوفًا من غضبهم. حتى من كان يتهرّب من ملف الرواتب، ركب الموجة فجأة، وتحوّل إلى مناصر شرس. الكل يهرول. الكل يتصنّع التعاطف. الهدف؟ ضمان الصوت الانتخابي، أو على الأقل تفادي الصدام الشعبي.

لكن دعونا نسأل: أين باقي موظفي الدولة من هذا المشهد؟ هل عليهم أيضًا أن ينزلوا إلى الشارع ليُنتبه إليهم؟ هل يجب أن يشلّوا مرافق الدولة، حتى يتحقق لهم شيء من حقهم؟ هذه السابقة إن استمرت، ستفتح الباب واسعًا أمام موجات إضراب من كل القطاعات. ومن يوقف هذه السلسلة إن انطلقت؟

أنا كأب، أعيش معاناة مزدوجة. في منطقتي الجغرافية، لا وجود لمدارس حكومية لائقة. المدارس الموجودة متهالكة، لا رحلات فيها، ولا بيئة تعليمية حقيقية، ولا كوادر تدريسية كفوءة. ولهذا أُجبرت، مثل كثير من الآباء، على تسجيل أولادي في مدارس خاصة. وهذه المدارس الخاصة، في الحقيقة، ليست سوى بيوت سكنية تم تحويلها بديكور خارجي إلى شكل مدرسة. المظهر لا بأس به، لكن الجوهر فارغ.

والأدهى من ذلك، أنني الآن أدفع مرة ثانية، لدروس خصوصية في معاهد خارجية، لأن بعض المواد لا يُدرّسها أساتذة أكفاء، حتى في هذه المدارس الخاصة. كل مادة صعبة تحتاج أستاذًا متخصصًا، وكل أستاذ متخصص يحتاج أجورًا عالية.

وبالتالي، أنا، وغيري من الآباء، نستهلك أكثر من نصف رواتبنا، بل أحيانًا أكثر من 75% فقط لتأمين الحد الأدنى من التعليم لأولادنا. هل يدرك التربويون ذلك؟ هل يعلم المعلمون حجم الضغط الاقتصادي الذي نعيشه نحن كأسر عراقية؟

المشكلة لا تتعلق بالتربويين فقط، بل بمنظومة كاملة أصبحت تنهكنا وتضغط علينا حتى في حق أبسط: “تعليم أبنائنا”. وإذا كانت وزارة التربية والتدريسيون يتحدثون عن مظلوميتهم، فليتذكروا مظلوميتنا نحن أيضًا، الآباء الذين نحمل العبء المادي والنفسي بدلًا عنهم.

والسؤال الأهم الآن: أين وزارة المالية؟ وزيرة المالية صرّحت رسميًا في وقت سابق أن الميزانية خاوية، وأنها غير قادرة حتى على تنفيذ ترقيات الموظفين. كتاب رسمي صادر عنها يوثق ذلك. فكيف تقرر الحكومة الآن منح زيادات برواتب فئة معينة؟ إما أن وزيرة المالية كانت غير دقيقة، أو أن هناك استثناءات تُمنح بضغوط سياسية. وفي الحالتين، الخلل واضح.

إما أن نعترف بأن المال موجود ويُدار بمكيال سياسي، أو نعترف بأننا نُخدع، وأن الإجراءات تُفصّل على مقاس من يصرخ أكثر.

نحن ـ ببساطة ـ لا نرفض مطالب التربويين، بل نرفض أن تُختزل العدالة الاجتماعية في فئة واحدة. نرفض أن تُدار الدولة بمنطق الاستثناءات، ونرفض أن يبقى الموظف العراقي رهينة مواقف إعلامية، لا خطط واضحة.

المطلوب الآن قرار شامل، حقيقي، عادل. زيادة شاملة لرواتب موظفي الدولة كافة، دون انتقائية، ودون مماطلة. لأن ما يحدث حاليًا ليس حلاً، بل تعقيد لأزمة أكبر.

افتحوا الملف بالكامل. لا تجزّئوه. ولا تُجاملوا على حساب وطن.
رواتب الموظفين ليست رفاهًا، بل كرامة.
وإذا كانت الحكومة قادرة على إنصاف التربويين تحت الضغط، فهي قادرة على إنصاف الجميع بإرادتها..والله من وراء القصد، وهو أعلم بمن قصد وأصدق من أنصف.
ما أردنا إلا أن نُسمِع الصوت، ونُحمل الكلمة أمانتها، فمن وعى فقد نجا، ومن عدل فقد نصر شعبه..

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة