سكاي برس/ بغداد
نشرت مجلة السياسة الدولية للدراسات السياسية تقرير يستشرف مستقبل سوريا بعد سفقوط نظام الأسد, وكيف يؤثر في أعادة تشكيل المشهد الاقليمي والدولي.
وذكر التقرير صباح الثامن من ديسمبر2024، طويت سوريا صفحة طويلة من تاريخها بإعلان سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وهو الحدث الذي يمثل لحظة فارقة في تاريخ البلاد المعاصر، فبعد سنوات طويلة من النزاع العنيف والصراعات المدمرة التي خلفت وراءها مجتمعًا منهكًا واقتصادًا محطمًا، يقف الشعب السوري أمام مفترق طرق حاسم قد يعيد تشكيل مستقبل البلاد بأكمله، حيث إن هذا التحول ليس مجرد نهاية لنظام حكم استمر لعقود، بل هو بداية لمرحلة جديدة تحمل معها فرصًا للتغيير الجذري، وفي الوقت ذاته تنطوي على مخاطر جسيمة إذا لم تُدر بحكمة وتعاون.
واضافة التقرير يفتح سقوط نظام الاسد الباب أمام تساؤلات جوهرية حول قدرة السوريين على تجاوز خلافاتهم وإعادة بناء دولتهم على أسس ديمقراطية وشاملة. داخليًا، يواجه السوريون تحدي معالجة إرث الانقسام والتدمير، بينما على الصعيد الإقليمي، ستعيد هذه التطورات رسم ملامح التوازنات بين القوى الفاعلة في الشرق الأوسط. كما أن المجتمع الدولي سيكون أمام اختبار حقيقي لتقديم الدعم اللازم لضمان انتقال سلس نحو الاستقرار.
مستجدات الوضع الراهن:
ولفت التقرير إلى ردود الأفعال حول سقوط نظام بشار الأسد، حيث قال بايدن إنه يتابع مع فريقه الأحداث غير العادية في سوريا، بينما قال ترامب إن روسيا تخلت عن بشار الأسد مما أدى لسقوطه، وأضاف أن موسكو لم يكن ينبغي لها أن تحميه من الأصل، وأنها فقدت الاهتمام بالأمر بسبب الحرب في أوكرانيا التي ما كان ينبغي أن تبدأ أصلا، وأما عن تركيا فقد حثّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الأطراف الإقليمية والدولية على ضمان "انتقال سلس" للسلطة في سوريا، وأكد على ضرورة العمل بجد مع الشعب السوري لضمان وجود فترة انتقالية جيدة وسلسة، وعدم إلحاق المزيد من الأذى بالمدنيين. أما الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن الشعب السوري هو الذي يجب أن يقرر مستقبل هذا البلد ونظامه السياسي والحكومي، وطالب كافة الأطراف الداخلية في سوريا باليقظة، وأما عن روسيا فقد طلبت عقد اجتماع طارئ ومغلق لمجلس الأمن الدولي بشأن سوريا .
الوضع الداخلي بعد سقوط نظام الأسد:
واوضح التقرير تواجه سوريا تحديات داخلية معقدة تتطلب معالجة جادة وشاملة على مختلف المستويات، تشمل هذه التحديات الأبعاد الأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، وكل منها يحمل معه فرصًا لتحقيق التغيير، لكنها أيضًا تمثل عقبات كبيرة قد تعرقل مساعي إعادة البناء والاستقرار في البلاد، فمن الناحية الأمنية، يشير غياب النظام إلى فراغ قيادي، وهو ما قد يؤدي إلى تصاعد نفوذ الميليشيات والجماعات المسلحة المحلية والإقليمية، التي سعت منذ بداية الحرب إلى فرض سيطرتها على أجزاء من البلاد.
كما أن هذا الفراغ قد يؤدي إلى صراعات بين فصائل المعارضة المختلفة، فعلى الرغم من أن رئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة " بدر جاموس" أكد أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة بناء وليس انتقاما، مع التأكيد على أهمية الحوار بين جميع الأطراف لتشكيل دولة وطنية، إلا أن الواقع على الأرض قد يكون أكثر تعقيدًا.
فمن غير المرجح أن يكون من السهل توحيد القوى السياسية المختلفة والمتصارعة في سوريا، وستكون مهددة بالخلافات بين الفصائل السياسية والعسكرية، مثل الخلافات بين هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري، والخلافات بين المعارضة السورية المسلحة.
أضافة التقرير أن بعد سقوط نظام الأسد، قد تتصاعد الخلافات بين هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري ليس فقط على الأرض والسيطرة العسكرية، بل أيضًا على الأيديولوجيات والرؤى السياسية، حيث إن هيئة تحرير الشام التي تسعى إلى فرض رؤية إسلامية جهادية قد تجد نفسها في مواجهة مع الجيش الوطني السوري الذي يعكس أيديولوجية أكثر قومية عربية معتدلة ويعتمد على الدعم التركي، وهو ما يعكس هوة عميقة بين الطرفين، في هذا السياق أيضًا يظهر الأكراد، وتحديدًا قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، كطرف ثالث يشكل تحديًا إضافيًا.
فالأكراد الذين يطالبون بحكم ذاتي أو حتى كيان فيدرالي في شمال سوريا، يتبنون رؤية سياسية مغايرة تمامًا لما تسعى إليه هيئة تحرير الشام أو الجيش الوطني السوري. من المتوقع أن تشهد سوريا مرحلة انتقالية تتضمن تنظيم انتخابات حرة، إلا أن هذه العملية ستكون مليئة بالتحديات.
نظرًا لتنوع الفصائل المسلحة المختلفة والتي تمثل مكونات عرقية وطائفية متعددة، سيكون من الصعب التوصل إلى توافق شامل بشأن كيفية تنظيم الانتخابات، وسيكون من الضروري وضع إطار قانوني جديد لإجراء الانتخابات، يشمل إعداد دستور جديد يضمن الحقوق السياسية لجميع السوريين، بما في ذلك الأكراد والعرقيات والطوائف الأخرى،
ولفت التقرير ومن الجدير بالذكر أن نشير إلى أن إعادة إعمار سوريا ستتطلب استثمارات ضخمة، فقد تركت سنوات الحرب اقتصادًا منهارًا يحتاج إلى إعادة بناء شاملة، فوفقًا لتقارير البنك الدولي فالاقتصاد السوري سيواصل تدهوره في العام 2024، مع توقعات بانكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.5% وتضخم يصل إلى 93%، وهو ما يعني أن عملية إعادة الإعمار تتطلب تعاونًا دوليًا شاملاً بين الدول المانحة، والمنظمات الإنسانية، والحكومة الجديدة.
واشار التقرير أن المجتمع الدولي قد يربط تقديم الدعم بتحقيق تقدم في حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الانتقالية. وأيضًا ستواجه سوريا تحديات في بناء جيش وطني موحد وذلك بسبب تباين المصالح بين القوى الداخلية والخارجية، والتعدد الطائفي والعرقي في البلاد، بالإضافة إلى وجود ميليشيات مسلحة تتبع فصائل متعددة قد يعيق عملية دمجها في جيش واحد، مما قد يؤدي إلى ظهور مناطق نفوذ متعددة في سوريا، بعضها تحت سيطرة المجموعات المسلحة المدعومة من تركيا ودول أخري، والبعض الآخر تحت سيطرة القوي الكردية.
أدوار الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في سوريا:
ركز التقرير على الادوار الاقليمية والدولية ستشكل نقطة تحول كبيرة في موازين القوى الإقليمية، حيث ستسعى الدول الكبرى في المنطقة، مثل إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة إلى إعادة تشكيل استراتيجياتها وتعزيز نفوذها في سوريا، وهو ما سيفتح الباب أمام تحولات جذرية في العلاقات الإقليمية. كل دولة من هذه الدول لها مصالح استراتيجية في سوريا، وهذه المصالح ستكون محركًا رئيسيًا في تحديد أطر التحالفات المستقبلية.
أولا - إيران:
تعتبر إيران أكبر حليف للنظام السوري، حيث كان نظام الأسد يمثل حليفًا استراتيجيًا أساسيًا في إطار مشروعها الإقليمي، وسيشكل سقوط الأسد ضربة قاسية لمصالحها الاستراتيجية، حيث ستفقد نفوذها في سوريا بشكل كبير، وهو ما يعني فقدانها لقاعدة استراتيجية مهمة كانت تتيح لها تعزيز وجودها العسكري والسياسي في المنطقة.
وفقدان السيطرة على الأراضي السورية يعني أن إيران ستخسر أحد المحاور الأساسية التي كانت تستخدمها لتنفيذ استراتيجياتها في مواجهة القوى الإقليمية والدولية المعادية لها، مثل السعودية وإسرائيل. بالتالي، ستواجه إيران صعوبة في الحفاظ على موازين القوى التي كانت قد أسستها في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، إن سقوط الأسد سيؤثر سلبًا على قدرة إيران على التنسيق مع حلفائها في المنطقة، مثل "حزب الله" اللبناني والمجموعات المدعومة من إيران في العراق. كانت إيران تستخدم سوريا كممر للإمدادات العسكرية واللوجستية، وبعد انهيار النظام السوري، ستفقد هذا الممر الحيوي، ما يضعف قدرتها على دعم حلفائها بالأسلحة والموارد.
ثانيًا- روسيا:
يمثل سقوط الأسد ضربة كبيرة لمصالح روسيا الاستراتيجية في سوريا، حيث كانت موسكو قد استثمرت بشكل كبير في بقاء النظام السوري، فهي ليست حليفًا عسكريًا فحسب، بل كانت تسعى إلى تحويل سوريا إلى قاعدة استراتيجية لتعزيز نفوذها في منطقة البحر الأبيض المتوسط، حيث إن قاعدتاها العسكريتان في طرطوس وحميميم تمثلان نقطة مهمة في السياسة الروسية لتوسيع وجودها العسكري في المنطقة، وبعد سقوط نظام الاسد ستواجه موسكو تحديًا كبيرًا في الحفاظ على هذه القواعد، ما سيجعلها تبحث عن تفاهمات مع الأطراف الدولية والإقليمية لضمان استمرار وجودها العسكري في سوريا.
كما قد تسعى روسيا إلى التعاون مع تركيا لتنسيق موقف مشترك يضمن استقرار المنطقة ويحافظ على المصالح الروسية، حيث إن تركيا بفضل موقعها الجغرافي المؤثر وعلاقتها مع العديد من الفصائل المعارضة في سوريا، في وضع يمكنها من التأثير في مجريات الأمور. من خلال التعاون مع تركيا، يمكن لروسيا أن تسهم في تشكيل الحلول السياسية والتمسك بوجودها العسكري على الأراضي السورية بشكل أكثر مرونة.
ثالثًا- تركيا:
يشكل سقوط نظام بشار الأسد فرصة كبيرة أمام تركيا، التي كانت الداعم الأول للمعارضة السورية، حيث سيسمح لها بتعزيز نفوذها في مناطق شمال، وشمال شرق سوريا، ويمثل نجاح فصائل المعارضة في تشكيل حكومة جامعة تمثل جميع طوائف الشعب السوري عاملًا حاسمًا في تحقيق استقرار البلاد وضمان المصالح التركية. هذا التوافق سيمكن تركيا من المساهمة في إعادة الإعمار، وتعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع سوريا الجديدة، إلى جانب تسهيل العودة الطوعية للاجئين السوريين لديها، مما سيخفف الضغوط الداخلية على تركيا ويعزز استقرارها الاجتماعي والاقتصادي.
رغم ذلك، يبقى الملف الكردي تحديًا رئيسيًا لأنقرة. مع غياب النظام، قد تسعى القوات الكردية المدعومة دوليًا إلى تعزيز نفوذها في الشمال الشرقي من سوريا، لا سيما في حال استمر الدعم الأمريكي للقوات الكردية، مما يثير مخاوف تركيا من قيام كيان كردي مستقل قرب حدودها.
لذلك، ستواصل تركيا مساعيها للحد من النفوذ الكردي عبر تكثيف وجودها العسكري والسياسي في المناطق الحدودية، مع محاولة التنسيق مع الحكومة السورية الجديدة لاحتواء هذه التهديدات وضمان أمنها القومي. في حال فشلت المعارضة في تحقيق التوافق المطلوب وانزلقت في صراعات داخلية، قد تواجه تركيا سيناريو معقدًا يتمثل في استمرار الفوضى على حدودها وموجات لجوء جديدة، مما سيعيق تحقيق مكاسبها. لذلك، يبقى نجاح المعارضة في تقديم نموذج حكم مستقر وشامل هو الضمانة الأساسية لتجنب الفوضى، وتحقيق شراكة استراتيجية طويلة الأمد بين تركيا وسوريا الجديدة.
رابعًا- الولايات المتحدة الأمريكية:
يمثل سقوط نظام بشار الأسد تطورًا كبيرًا في المشهد السوري، ومن المتوقع أن تتبنى الولايات المتحدة موقفًا حذرًا ومتأنيًا لمراقبة الوضع عن كثب. أولى أولويات واشنطن ستكون التعامل مع التهديد المحتمل لخلايا تنظيم داعش النائمة، خاصة أن انهيار النظام قد يخلق فراغًا أمنيًا يسمح للتنظيم بإعادة تنظيم صفوفه في مناطق متفرقة من سوريا. حيث إن الولايات المتحدة، التي قادت التحالف الدولي ضد داعش، لن ترغب في رؤية عودة التنظيم إلى الساحة، مما سيدفعها إلى تكثيف مراقبتها الأمنية وربما زيادة دعمها للقوات المحلية مثل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تعد شريكًا أساسيًا في مواجهة التنظيم. إلى جانب ذلك، سيبقى أمن إسرائيل على رأس أولويات السياسة الأمريكية في المنطقة.
مع سقوط النظام، قد تنشأ حالة من الفوضى تؤدي إلى تصاعد نفوذ الجماعات المسلحة أو الفصائل المدعومة من إيران، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لإسرائيل. من المتوقع أن تواصل واشنطن التنسيق مع حلفائها الإقليميين لضمان استقرار الجبهة الجنوبية لسوريا ومنع أي تصعيد على الحدود مع إسرائيل.
في هذا الإطار، قد تلجأ الولايات المتحدة إلى دعم خطوات تضمن تشكيل حكومة سورية جديدة قادرة على ضبط الأمن وتجنب الفوضى، ومراجعة موقفها الرافض للحوار مع هيئة تحرير الشام، والتي تصنفها منظمة إرهابية، كما ستحافظ على نفوذها في المناطق الاستراتيجية شمال وشرق سوريا. وستركز السياسة الأمريكية على منع أي تحول يمكن أن يهدد أمنها القومي أو استقرار حلفائها في المنطقة، مع تعزيز وجودها كطرف رئيسي في إعادة صياغة مستقبل سوريا.
وختم التقرير يمثل سقوط نظام بشار الأسد نقطة تحول تاريخية في مسار سوريا، حيث يتيح فرصة حقيقية لبناء دولة جديدة على أسس ديمقراطية، ويضع السوريين أمام تحدٍ كبير لتجاوز إرث الصراعات والانقسامات التي أرهقت البلاد. النجاح في بناء مستقبل مشرق يتطلب تعاونًا وطنيًا شاملًا يجمع بين مختلف الفصائل والتيارات السياسية، إضافة إلى ضمان مشاركة جميع الأطراف الفاعلة في صياغة رؤية واضحة لمستقبل سوريا.
كذلك، فإن مرحلة ما بعد الأسد ستحتاج إلى خطوات مدروسة لإرساء الأمن والاستقرار، مثل إعادة بناء المؤسسات الوطنية وتشكيل جيش موحد قادر على حماية الدولة من التهديدات الداخلية والخارجية. على المستوى الإقليمي والدولي، سيكون هناك تأثير مباشر على موازين القوى في المنطقة، حيث ستسعى الدول الكبرى، مثل روسيا، إيران، وتركيا إلى إعادة صياغة استراتيجياتها للحفاظ على مصالحها في سوريا، بينما يواجه المجتمع الدولي اختبارًا حقيقيًا لتقديم الدعم الكافي للسوريين في هذه المرحلة الحرجة.
يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين المصالح المتعددة والمتباينة للأطراف الإقليمية والدولية، وضمان أن تكون مصالح الشعب السوري وحقه في حياة كريمة ومستقرة هي الأولوية الأولى. كما أن إدارة هذه التحولات بحكمة واستغلال الفرصة لبناء دولة شاملة ومستقلة هو ما سيحدد مستقبل سوريا في السنوات القادمة.