سكاي برس/ بغداد
ينتظر العراق، مرحلة انتقالية مليئة بالتحولات السياسية والأمنية والاقتصادية، ولعل الأيام الأربعة المقبلة، ستكون فاصلة بعلاقة البلد مع الولايات المتحدة الأمريكية، إذ سيتسنم دونالد ترامب، الرئاسة الأمريكية بشكل رسمي في الـ20 من كانون الثاني/ يناير الجاري.
ويرى مراقبون، أن العراق سيكون الجبهة الرئيسية التي سوف تتعامل معها الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة، على اعتبار أنه الجبهة الوحيدة المتبقية التي لا زالت حاضرة فيها إيران بقوة.
في وقت لا يملك العراق حرية الاختيار بين النهضة والتنمية المستدامة مع الولايات المتحدة، وبين البقاء في دوامة الأزمات مع إيران، كما لا يملك حتى خيار الحياد ومسك العصا من المنتصف بين الطرفين، بحسب المراقبين. ويؤكد المراقبون، أن العراق لا يملك إلا صداقة أمريكا، لأسباب كثيرة أهمها الوضع المالي العراقي والرعاية الأمريكية والحماية والإسناد المستمر للعراق منذ عام 2003 ولغاية الآن.
وفي التفاصيل، يقول الباحث في الشأن السياسي، رمضان البدران، إن "مجيء ترامب لرئاسة أمريكا هي عودة للملفات التي فتحها في دورته الأولى، وهو يريد شرق أوسط مستقر يهتم للاقتصاد والتنمية بما يساهم في إيجاد مصادر تمويل وإنتاج بديلة عن الصين، تدعم الاقتصاد الأمريكي خاصة والغربي عاماً". ويضيف البدران، أن "رؤية ترامب للشرق الأوسط هو أن يكون حليفاً لأمريكا والغرب من باب التكامل الاقتصادي، وكل من يقف في وجه هذا سوف يعتبر ضد المصلحة الأمريكية والغربية".
ويتابع، "لذلك سوف يكون ترامب حاداً وحازماً مع إيران ومع كل من يتعاون معها بما لا يصب وفق رؤيته، وبالتالي سيستهدف إيران بشكل مباشر وحدّي في هذه المرة، خاصة مع تطور الأوضاع في الشرق الأوسط وانهيار كل خطوط المساومة والضغط الإيراني في المنطقة والعالم، فهي (إيران) تتقهقر في جبهة المواجهة، وهي لا زالت لم تلبِ أي من متطلبات العالم بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى والتسليح والنووي والبالستي وغيرها".
وعن موقف العراق، يوضح البدران، أن "العراق لا يملك إلا صداقة أمريكا، لأسباب كثيرة أهمها الوضع المالي العراقي والرعاية والحماية والإسناد الأمريكي للعراق المستمر منذ عام 2003 ولغاية الآن".
وينوّه، إلى أن "العراق سيخسر أمريكا إذا حاول الاستمرار في مسك العصا من المنتصف بين إيران وأمريكا، لأن الأخيرة لا تقبل سوى الأصدقاء، وبالتالي السياسة العراقية بحاجة إلى ممارسة قرارات حدية وحازمة في هذا المضمار". ويرى البدران، أن "الفصائل ربما هي واحدة من عُقد العراق، لذلك عليه أن يكون حازماً معها لأن لا وقت لديه، لأن ترامب سيحتاج إلى رؤية وقرارات وسياسة واضحة".
معادلة التسويات
من جهته، يقول الخبير الاستراتيجي، أحمد الشريفي، إن "سياسة ترامب ستختلف باختلاف التوازنات التي تحدث في الشرق الأوسط ،التي بدأت بتسوية دولية بين روسيا والولايات المتحدة، بدليل الانسحاب والاستلام والتسليم بين نظام بشار الأسد ودخول الفصائل التي هي حالياً تمثل الحاكم المباشر في سوريا، ثم تلتها تسوية إقليمية منها اختيار رئيس جمهورية ورئيس وزراء في لبنان، وكذلك المتغيرات التي تحصل في اتفاق غزة، والمعادلة الأهم هي ما يطلق عليه بالتسوية المحلية المتأثرة بالتسوية الإقليمية والتسوية الدولية".
ويشير الشريفي، أن "العراق سوف يعاني من مرحلة انتقالية يتناقض فيها برنامج ترامب مع المسار السياسي في العراق، فهو يرغب بإحداث تغيير جذري وشامل، وتطبيق ذلك يعتمد على ردود أفعال كلا الطرفين، لإزاحة مجموعة سياسية لم تعد مقنعة للولايات المتحدة الراعي للمشروع السياسي في العراق والمشرف المباشر عليه، والأمم المتحدة المراقب للمتغير السياسي في العراق".
ويتوقع الشريفي، أن "ترامب سيتجه إلى إزاحة جزء من الطبقة الحاكمة الموالية أو المرتبطة بإيران، لأنه آن الأوان لحسم الموقف وفق التوازنات الإقليمية والدولية، أما السياسيين في العراق فهم لم يعد يمتلكون فرصة حرية الاختيار كما في السابق بالاختيار بين النهضة والتنمية المستدامة مع الولايات المتحدة أو اختيار البقاء في دوامة الأزمات مع التوازنات الإقليمية".
ويوضح، أن "السياسيين العراقيين منحتهم الولايات المتحدة فرصة الاختيار لكن هم اختاروا التوازنات الإقليمية، وهم على قسمين، جهة تميل إلى تركيا وأخرى إلى إيران، والطرفين يسعيان إلى ضرب أي دور للتوازنات الإقليمية والولايات المتحدة، بدليل استهداف قوات (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، وكذلك الحال بالنسبة للفصائل المسلحة في العراق المدعومة من إيران، فهي تسعى إلى اجهاض مسألة التكامل في العلاقات الدولية بين العراق والولايات المتحدة".
ويكمل الشريفي، "لذلك المنتظم السياسي فشل في اختيار الولايات المتحدة لذلك ستغيره الأخيرة نحوها بالأسلوب القسري سواء بعقوبات أو احتواء مباشر، أو تصفية جسدية عبر درونات، أو عملية تظاهر وإسقاط حكومة، فكل الاحتمالات واردة".
الجبهة الرئيسية
بدوره، يرى أستاذ العلاقات الدولية، فراس إلياس، أن "سياسة ترامب الجديدة حيال العراق ستكون مبنية وفق مسارات جديدة تختلف عن فترة ولايته الأولى، لذلك هو بصدد إعادة إنتاج مسار جديد وفق عدة مستويات (أمنية وسياسية واقتصادية)".
ويبين إلياس، أن "الولايات المتحدة الأمريكية بصدد إعادة إنتاج مسافة أمان بين العراق وإيران وتحديداً في المجال الأمني والاقتصادي، وكذلك تحرير السياسة الخارجية العراقية من بعض القيود التي واجهتها خلال الفترة الماضية، وخصوصاً فيما يتعلق بضرورة إعادة إدماج العراق ضمن المنظومة الإقليمية التي بدأت تتشكل بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة".
ويتابع، أن "هناك توازنات إقليمية جديدة، وهذه كان عنوانها احتواء إيران في لبنان وسوريا وغزة، وبالتالي سيكون العراق الجبهة الرئيسية التي سوف تتعامل معها الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة، على اعتبار أن العراق هو الجبهة الوحيدة المتبقية التي لا زالت حاضرة فيها إيران بقوة".
ويضيف، "لذلك من المتوقع أن الاشتراطات الأمريكية المسبقة التي تم الحديث عنها في الفترة الماضية بخصوص حل الفصائل المسلحة وإنتاج آلية جديدة للتعامل مع سلاح الفصائل، هي تأتي في سياق أمريكي استباقي لمرحلة ما قبل قدوم ترامب إلى البيت الأبيض، لأن الإبقاء على حالة الهدنة المشروطة التي كانت تتعاطى معها إيران سابقاً مع الولاية الأولى لترامب، ليس من الوارد الاستمرار عليها في الولاية الثانية".
ويوضح إلياس، "وهذا ما يبرر طلبات أمريكا بحل الفصائل المسلحة، لأن الولايات المتحدة بحاجة إلى إنتاج حالة من الاستقرار السياسي والأمني في العراق بالمرحلة المقبلة، من أجل تأمين الساحة السورية والحفاظ على التوازنات الإقليمية التي نشبت في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد".
ويشير إلى أن "العراق لكونه يشكل إحدى مهددات الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط، فإن إدارة ترامب ستكون معنية بحل الداخل العراقي بأي طريقة وبالشكل الذي يدفع إيران للتعامل بمنطق يكون مرغوباً به إقليمياً ودولياً، لذلك العراق سيكون موضوعاً مركزياً في أجندة سياسة ترامب خلال الفترة المقبلة".
ويتوقع إلياس، أن "العراق سيكون أمام 4 سنوات مقبلة حافلة بالتحولات السياسية والأمنية والاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية".
من جانبه، يقول السياسي العراقي البارز، مثال الآلوسي، إن "الفرق بين إدارة ترامب وبايدن هو أن إدارة الأخير سعت لاحتواء إيران بسياسة الطرق اللينة، وبالتالي استغلت طهران واشنطن واندفع الحرس الثوري الإيراني للاستيلاء على القرار السياسي والعسكري والحكومي في العراق وسوريا واليمن ولبنان".
ويضيف الآلوسي: "أما ترامب فهو بالضد من الهيمنة الإيرانية على شعوب ودول الشرق الأوسط، بل أن إدارة ترامب ستدعم مشاريع التهدئة والسلام في الشرق الأوسط ومنها الحوار والسلام الإسرائيلي الفلسطيني أو السعودي الإسرائيلي".
ويشير إلى أن "واشنطن والعالم الغربي والعربي يفهمون أن النفوذ الإيراني في العراق يمر من خلال الحشد، ولا حشد بدون الميليشيات وما يسمى بالفصائل المسلحة، ولا تهديدات إرهابية مسلحة داخل أو خارج العراق من خلال الدرون أو الصواريخ إلا من خلال خلايا الحرس الثوري الإيراني تحت غطاء الفصائل".
ويلفت إلى أن "المرشد الإيراني خلال لقائه مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قال له إن الحشد مؤسسة عراقية يجب دعمها وتشجيعها، وبالوقت نفسه قال إن أمريكا هي العدو الأكبر والفصائل المسلحة التابعة للحرس الثوري عليها التصعيد للتصدي لأمريكا، وهذا تكتيك إيراني ذكي، بمحاولة دفع ترامب إلى تنفذ عمليات اغتيال لقادة الميليشيات، وهي (إيران) تعتقد أن بهذه عمليات الاغتيال ستكتفي بها أمريكا وتترك النفوذ الإيراني في العراق، لكنها لا تدرك أن أمريكا لا تساوم على العراق".
ويؤكد الآلوسي، "لذلك الحكومة العراقية مطالبة بتبني سياسة وطنية ليست إيرانية، وإلا سيدفع ثمن ذلك السوداني وحكومته مع قدوم عهد جديد للعراق والشرق الأوسط قد يبدأ في 21 كانون ثاني الجاري، ومن لا يدرك تطور الزمن سيدفع ثمناً باهظاً".
ويترقب العالم وخاصة الشرق الأوسط وصول ترامب للبيت الأبيض خلال الأسبوع المقبل، فيما تشير التوقعات إلى "وجود نية في فرض عقوبات اقتصادية على إيران واستمرار الضغط لتحجيم نفوذها، ما قد يعرض العراق لضغوط اقتصادية أيضاً"، بحسب المتحدث باسم حركة نازل آخذ حقي الديمقراطية، خالد وليد.
ويضيف وليد، "يتزامن مع ذلك أنباء عن وجود استهداف محتمل لبعض قادة الفصائل، وكذلك حديث عن حراك سياسي لتغيير مرتقب، وما يزيد قلق الشارع العراقي هو كلام بعض النواب عن وجود أزمة مالية تعصف بالبلاد".
وخلص وليد إلى القول، إن "ما يحصل اليوم هو يتعلق بصورة عامة بمصير فصائل المقاومة ومؤسسة الحشد، وتأكيد الحكومة أن الحشد مؤسسة أمنية رسمية، يعزز هذا الضغوط الإقليمية والدولية تجاه العراق وعلى الطبقة السياسية الحاكمة".