سكاي برس/ بغداد
شهد الاقتصاد العراقي تغيرات عديدة نتيجة لتدفق العمالة الوافدة، خصوصًا من سوريا، بنغلاديش، وباكستان. بينما يُنظر إلى هذه العمالة على أنها تسهم في سد فجوة مهارية في بعض القطاعات، الالا ان هناك مخاوف من تأثيرات سلبية محتملة على الاقتصاد المحلي وسوق العمل.
وتُقدّر أعداد المقيمين الأجانب في العراق بمئات الآلاف، وفقاً لتقارير حكومية.
وعلى الرغم من منح وزارة العمل العراقية تصاريح إقامة رسمية لأكثر من 71 ألف عامل أجنبي، إلا أن الأرقام الحقيقية للمقيمين غير المرخصين تفوق ذلك بكثير. وهناك عدة أسباب لتدفق العمالة الوافدة إلى العراق منها الاضطرابات السياسية في سوريا حيث أدت الحرب في سوريا وسقوط الأسد وانهيار العملة إلى نزوح الملايين من السوريين، الذين وجدوا في العراق وجهة قريبة للعمل والاستقرار، فضلا عن الفقر والبطالة في دول جنوب آسيا حيث تعاني بنغلاديش وباكستان من معدلات بطالة مرتفعة وأجور منخفضة، مما يدفع عمالها للبحث عن فرص عمل في دول مثل العراق، إضافة الى طلب سوق العمل العراقي مثل البناء والزراعة، التي تحتاج إلى عمالة غير ماهرة أو منخفضة الكلفة، وهو ما توفره هذه الجنسيات. كما يعد الاستقرار النسبي الذي يشهده العراق في السنوات الأخيرة، احد اسباب جذب الأجانب لبلاد الرافدين، وهناك عوامل أخرى، كحاجة الأسواق المحلية إلى العمالة نتيجة ضعف تدريب وتأهيل القوى العاملة المحلية.
كما أن التفاوت الكبير في الرواتب بين العراق ودول العمالة المصدّرة، مثل سوريا وباكستان، لعب دوراً رئيسياً في جذب الأجانب للإقامة فيه. ووفق دراسة نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث الدولية عام 2022، فإن العراق يُعدّ وجهة مفضلة للعمالة السورية، خاصة مع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها سوريا.
ويدخل كثير من هؤلاء العمال العراق كزوار دينيين خلال المناسبات الشيعية، ثم يبقون للعمل بشكل غير قانوني. ومن أهم القطاعات التي تعتمد على العمالة الوافدة البناء والتشييد حيث ان العمالة الوافدة تعمل بكثافة في مواقع البناء، نظرًا لتدني أجورها مقارنة بالعمالة المحلية، كما ان الزراعة وخاصة في المناطق الريفية تواجه نقصًا في الأيدي العاملة العراقية، فضلا عن الخدمات المنزلية والمطاعم والتي لديها طلب متزايد على العمالة الوافدة في هذه القطاعات.
الا ان هذه الإجراءات تؤثر سلبا على الاقتصاد العراقي بشكل مباشر، منها ارتفاع البطالة حيث ان دخول العمالة الوافدة سيواجه العراقيين في بعض القطاعات صعوبة في التنافس بسبب انخفاض أجور الوافدين واستعدادهم للعمل لساعات أطول في ظروف شاقة، مع الضغط على الخدمات العامة والتي جاءت بعد تزايد عدد الوافدين، إضافة الى ان العمالة الوافدة غالبًا ما تقوم بتحويل جزء كبير من دخلها إلى دولها الأصلية، مما يؤدي إلى تسرب العملة الصعبة خارج الاقتصاد العراقي، وقد يؤدي تزايد العمالة الوافدة أيضا إلى تغير في التركيبة السكانية، مع ما يترتب على ذلك من تحديات اجتماعية وثقافية".
وهناك شريحة واسعة من المقيمين الأجانب تعاني من صعوبات تتعلق بانعدام الوضع القانوني، مما يجعلهم عرضة للاستغلال والانتهاكات. كما يتعرضون لمخاطر الترحيل، خاصة مع حملات التفتيش التي تشنها السلطات العراقية. وأصدرت هيومن رايتس ووتش تقريراً في حزيران 2023 انتقدت فيه الحملات الأمنية التي شنتها الحكومة العراقية ضد العمالة السورية، واصفة إياها بأنها "اعتقالات تعسفية".
وأشارت المنظمة إلى حالات ترحيل شملت أفراداً يحملون تصاريح إقامة رسمية. ووفق دراسة أجرتها مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي عام 2023، فإن العمال الأجانب يواجهون تحديات تشمل غياب الحقوق القانونية، وانعدام التأمين الصحي، وساعات العمل الطويلة، والتي تصل أحياناً إلى 16 ساعة يومياً.
في المقابل، تعاني الحكومة من صعوبة ضبط الأعداد الكبيرة التي تدخل البلاد بطرق غير مشروعة أو تتحايل على قوانين الإقامة، وتحاول السيطرة على وضع المقيمين الأجانب من خلال مبادرات تهدف إلى تنظيم وجودهم.
وفي تشرين الثاني من العام 2024، أطلقت وزارة الداخلية العراقية حملة لتسوية الأوضاع القانونية للمقيمين الأجانب، مع إتاحة تقديم الطلبات إلكترونياً لتسوية الإقامة حتى نهاية كانون الاول. إلى جانب ذلك، تسعى وزارة العمل إلى خفض نسب العمالة الأجنبية في الشركات إلى 30% لتعزيز فرص العمل للعراقيين، وذلك بحسب تصريح للمتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، نجم العقابي في 16 تشرين الثاني، خاصة مع وجود أكثر من 1.6 مليون عراقي عاطل عن العمل وفق إحصائيات وزارة التخطيط. وعلى الصعيد الاقتصادي، يشكّل تحويل العمالة الأجنبية لأموالها إلى الخارج عبئاً إضافياً على الاقتصاد العراقي.
وقدّر المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، أن هذه التحويلات تصل إلى ملياري دولار سنوياً. وبالنظر إلى اعتماد العراق شبه الكامل على عائدات النفط، فإن تدفق هذه الأموال خارج البلاد يُفاقم أزمة التنوّع الاقتصادي التي يعاني منها.
ومع ذلك، يرى البعض أن العمالة السورية والبنغلاديشية والباكستانية توفر حلًا لبعض مشكلات سوق العمل العراقي، فإن المخاوف من تأثيرها على الاقتصاد المحلي تظل مشروعة.
ويتطلب الأمر توازنًا بين الاستفادة من هذه العمالة وتنظيمها بما يحفظ حقوق العامل العراقي ويضمن استقرار السوق والاقتصاد الوطني.