Skip to main content

العراق.. عندما يصبح الفساد قرارًا شعبيًا

مقالات السبت 15 آذار 2025 الساعة 22:06 مساءً (عدد المشاهدات 91)

سكاي برس/ بغداد 

(كتب: مراد الغضبان)

في العراق، لا أحد بريء تمامًا مما يجري، فالمواطن هو القاضي والجلاد والضحية في آنٍ واحد. يلعن الفساد وهو من يختاره، يشكو من الفقر وهو من يساهم في رفع أسعار السوق، يتذمّر من سوء الخدمات وهو من يمنح الفاسدين شرعية الاستمرار. كلّ شيء يحدث هنا هو نتيجة مباشرة لخياراته، حتى لو أقنع نفسه بعكس ذلك.

في تقرير تلفزيوني، ورد مثال بسيط لكنه مرعب في دلالاته: الممثل المصري محمد رمضان يتقاضى أجورًا فلكية تصل إلى خمسين مليون جنيه للعمل الواحد، ليس لكونه أعظم ممثل في التاريخ، بل لأن الجمهور يراه، يتابعه، ويساهم في تضخيم قيمته. كلّ مشاهدة لمسلسله ترفع سعره في السوق، تزيد أرباح القنوات، ترفع أسعار الإعلانات، فتنعكس التكلفة في النهاية على المستهلك البسيط الذي يذهب إلى المتجر ليجد الأسعار قد ارتفعت دون أن يفهم السبب. باختصار، كلّ من يشاهد هو مساهم غير مباشر في هذه الدائرة الجشعة، حتى لو لم يدرك ذلك.

فلنُسقط هذه القاعدة على العراق. (كيفما تكونوا يُولَّى عليكم). في الانتخابات، لدينا ثلاثة أنواع من الناخبين:

1. اللامبالون: وهم الأغلبية، يشكّلون 75% إلى 80% من الناخبين. لا يصوّتون، إما كسلًا، أو بحجة أن الانتخابات لن تغيّر شيئًا، أو لأنهم ببساطة لا يريدون تحمّل مسؤولية القرار. هؤلاء، بسلبيتهم، يمنحون الفاسدين أكبر خدمة ممكنة.

2. المؤدلجون: الناخب الذي يصوّت بناءً على الطائفة، الحزب، أو التوجيهات العليا دون تفكير. لا يهمه البرنامج الانتخابي ولا كفاءة المرشح، بل فقط من الذي قال له أن يمنح صوته لهذا الاسم.

3. المباعون: من يبيع صوته مقابل مبلغ زهيد، وظيفة وهمية، أو حتى وعود كاذبة. هؤلاء يشتركون في الجريمة بوعي كامل، وعندما تنهار البلاد، يكونون أول من يشكو.

والنتيجة؟ إعادة تدوير نفس الوجوه، نفس الأزمات، ونفس المسرحية السياسية التي تبدأ بالوعود، وتنتهي بالسرقات، بينما المواطن يقف على الهامش يصفّق ثم يبكي.

المفارقة أن العراق تغيّر كثيرًا، لكن العقلية بقيت كما هي. في زمن صدام حسين، كان الخوف هو ما يُبقي الناس صامتين، واليوم، هو اليأس والاستسلام. المواطن لم يعد يخاف، بل اقتنع أن لا شيء سيتغيّر، فاختار أن يكون متفرجًا على سقوطه.

السياسيون لا يشعرون بأي ذنب، بل على العكس، يتسلّون بهذا المشهد. كما قال أحد النواب يومًا بكلّ صراحة: “أنا نائب منتخب”، وهو يعلم تمامًا أن الفساد لم يُفرض عليه، بل حصل عليه بشرعية صناديق الاقتراع.

نحن شعب سلّم أمره بالكامل: سلّمنا رقابنا سابقًا للخوف، وسلّمناها اليوم للفساد، للتفكّك، للانحلال، للانحطاط. نعيش في دوامة من الشكوى دون أدنى محاولة لتغيير الواقع، نبحث عن المتهم، لكن لا أحد ينظر في المرآة.

وهنا، لا بد من السؤال: إلى متى؟ الإجابة مؤلمة، لكنها واضحة: إلى أن يدرك العراقي أنه ليس فقط الضحية.. بل هو الجاني أيضًا.

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة