Skip to main content

"العين الزرقاء الخارقة" حكايات المصريين عن الحسد.. تراث شعبي ممتد

منوعات السبت 05 تشرين أول 2024 الساعة 23:49 مساءً (عدد المشاهدات 755)

سكاي برس/ بغداد

دائماً ما كان الخوف من قوى الشر المختلفة هاجساً عند الإنسان على مر العصور، وعند المصريين كان هذا واحداً من التحديات التي عملوا على مواجهتها منذ عهد مصر القديمة التي تزخر معابدها بأدلة متنوعة على كيفية قيام المصري بالسعي إلى الحماية من الشرور، ولاحقاً ومع اختلاف العصور تغيرت المفاهيم، ولكن لم يتغير قلق الناس من قوى الشر المختلفة ومن بينها الحسد.

فالخوف من الحسد هو سمة عامة عند كثير من المصريين، وعلى رغم ذكره في القرآن والكتب المقدسة وارتباط كثير من الناس بتلاوة الأذكار والآيات التي تحمي منه، فإن فكرة الحسد وعلاقة المصريين به تمثل توليفة فريدة تجمع بين الدين والتراث الشعبي والثقافة المتوارثة منذ أقدم العصور، وتمنح الأمر طابعاً مختلفاً عن أية منطقة عربية أخرى.

ويزخر المجتمع المصري بكثير من الأمثال الشعبية المرتبطة بالحسد والخوف منه، التي تصور الأضرار العظيمة التي يمكن أن يتعرض لها الناس إذا أصيبوا بالعين، فـ"العين فلقت الحجر"، و"عضة أسد ولا نظرة حسد"، و"عين الحسود فيها عود"، و"ما يحسد المال إلا أصحابه"، و"داري على شمعتك تقيد". وفي الوقت نفسه تضم حوارات المصريين اليومية عشرات الكلمات التي يرددها الناس للتحصين ولذكر اسم الله على الأشياء والأشخاص حماية لهم من الحسد والعين مثل "اسم الله عليه"، أو "اسم النبي حارسه"، و"ما شاء الله"، و"تبارك الله".

وفي الوقت ذاته نجد الكف الشهيرة بـ"خمسة وخميسة" حاضرة بقوة في حديث المصريين، فهناك "خمسة في عين الحسود"، و"خمسة في عين إللي ما يصلي على النبي".

والكف الشهيرة بـ"خمسة وخميسة" ترتبط بالمصريين منذ أقدم العصور، واختلفت دلالتها مع اختلاف الأديان ففي مصر القديمة، إذ ترمز الكف إلى (الكا) وهي الروح أو النفس، وظهرت في عديد من الآثار المصرية القديمة، وعند اليهود هي كف مريم أخت النبي موسى، ويراها المسيحيون كف مريم العذراء صاحبة البركة وأم النور، وهي كف فاطمة بنت محمد التي ترمز لأركان الإسلام الخمسة وعدد آيات سورة الفلق، والجميع يراها على مر العصور وسيلة للحماية من الشرور.

تراث شعبي ممتد

طقوس مختلفة اعتمدها المصريون على مر التاريخ للحماية من الشرور والحسد بدأت بالتمائم والقرابين، ولاحقاً مع ظهور الأديان الأدعية والنصوص المقدسة، حتى إن بعض الرموز لا تزال حاضرة ومتوارثة منذ أقدم العصور، ولا يزال للمصريين طقوس معتادة للحماية من الحسد أبرزها إشعال البخور في المنازل وبخاصة صباح الجمعة، ومسك الخشب عند سماع أمر مبهر أو عظيم، ورش الملح في الاحتفالات مرددين "حصوة ملح في عين الحسود"، وعادات ترتبط بالمناسبات السعيدة كافة، إذ يمكن أن يحسد فيها الشخص مثل الزواج والنجاح والإنجاب، فأصبحت تشكل جزءاً رئيساً من التراث الشعبي والثقافة العامة للمصريين. الباحث في التراث الشعبي أسامة غزالي يقول إن "كل منطقة في مصر لها ما يميزها في ما يتعلق بالحماية من الشرور والحسد باعتبار أن مصر تتميز بروافد ثقافية مختلفة، وبصورة عامة فإن المصريين يفرقون بين شيئين: الحماية من الحسد وهو القادم من إنسان، والحماية من الشر وغالباً ما يأتي من الطبيعة، واعتمد المصريون عدداً من العادات في العصور المختلفة للحماية منهما، أشهرها الكف والعين وحدوة الحصان وطبع كف الدم على الحوائط عند الذبح، ومن المشاهدات في صعيد مصر تعليق قرني الخروف على باب المنزل، أو وضع سباطة البلح أعلى المنزل لاعتقادهم أنها تحمي من الشر، وفي النوبة جنوباً يضعون التماسيح المحنطة على أبواب المنازل".

ويضيف "من المشاهد اللافتة للحماية من الشر هي العروسة التي تظهر بأشكال مختلفة، فمن العروسة الورقية التي تخرم وتحرق، إلى قيام بعض الناس بعمل عروسة من الطين وتثبيتها على أفران الخبيز التقليدية باعتبار أنها تجلب الخير والرخاء، وقيام النساء بعمل عروسة من العجين وخبزها للأطفال في بداية الخبيز، وفي منطقة معينة من الصعيد كانت منازل بعض الأبواب تغلق جانبيها على شكل رسم لعروسة بحيث تأخذ عين الزائر، فأبواب المنازل كثيراً ما كان يوضع عليها ما يعتقد الناس أنه يمنع الشر ويأخذ العين، سواء كانت مفردات شعبية أم نصوصاً دينية من الكتب المقدسة، باعتبار أن باب المنزل هو أول شيء تقع عليه عين القادم التي قد تحمل شراً أو حسداً".

ويستكمل "من أشهر ما اعتمده المصريون للحماية من الحسد والشرور الأحجبة التي يصنعها المشايخ وتكتب فيها أدعية أو آيات من القران وتعلق للطفل، أو توضع تحت رأس الشخص وغالباً ما كانت تعلق في ملابسه من ناحية اليسار لتكون قريبة من القلب، ومن المفارقات أن الأحجبة لم تكن فقط مقتصرة على البشر، وإنما بعض الناس في البيئات الريفية علقوا أحجبة للحيوانات حتى لا يصيبها أذى باعتبار أهميتها في هذا المجتمع".

طاقة اللون الأزرق

عند الحديث عن الحسد عند المصريين فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان هي الخرزة الزرقاء والعين الزرقاء التي تعلق أو يرتديها الناس في سلسلة، فهي من أشهر الموتيفات المرتبطة بثقافة المصريين في الحماية من الحسد والشر، ولكن لماذا اللون الأزرق تحديداً، وما الطاقات التي يحملها ليكون هو لون المصريين الرسمي للحماية من الحسد؟ من أشهر الرموز المرتبطة بالحماية من الحسد عند المصريين هي عين حورس الزرقاء الشهيرة التي ترتبط بأسطورة إيزيس وأوزوريس، فبعد أن قتل ست أخاه أوزوريس ومزق جثمانه استطاعت إيزيس إعادة جمع أشلائه من الأنحاء المتفرقة في البلاد لتنجب بعدها ابنها حورس الذي استطاع الانتصار على ست ولكنه فقد عينه اليسرى، لتستبدل بعين زرقاء لها قوة خارقة استخدمها المصريون منذ أقدم العصور للحماية من الشر والحسد، وفي الوقت ذاته فإن حورس يصور على هيئة الصقر، ومن المعروف أن عين الصقر تفوق عين الإنسان بمرات في قوة إبصارها.

إيمان خير المتخصصة في علم الطاقة، تقول "اللون الأزرق هو طاقة الشفاء والحماية، ويظهر ذلك في الكون كلون السماء التي تمثل شكلاً من أشكال الحماية للناس، والنظر إليها وتأملها يبعث على الهدوء، وفي الحضارة المصرية القديمة كان له أهمية كبرى، فهو لون النيل الذي كان يهب لهم الحياة، اعتقد المصريون القدماء أن عين حورس تحمي من الشر، ولها لونان لديهم: الأول والشائع هو الأزرق الذي يمثل طاقة الحماية، والآخر هو الأحمر الذي يمثل طاقة الشر، وحتى يومنا هذا يقول المصريون (سأريه العين الحمرا) كناية عن الشر، وكلها موروثات تناقلتها الأجيال حتى من دون أن تعرف أصلها".

وتضيف "اعتمد المصريون الخرزة الزرقاء للحماية من الحسد وجعلوها على شكل دائري، لأن الدائرة تجذب الانتباه وتسحب الطاقة وتختزلها داخلها في مدار مغلق، واللون الأزرق يجذب النظر، ويرتديها الناس في سلسلة بحيث تكون قريبة من القلب باعتبار أن الحسد أو الطاقات الشريرة هي طاقات كهرومغناطيسية تكون متجهة نحو القلب.

على مدار الزمن اعتمد المصريون عادات للحماية من الحسد وتوارثوها، من بينها رش الملح في المناسبات، وأشهرها أسبوع المولود لسحب الطاقات السلبية، ووضع الحبوب السبع والعملات المعدنية لتحقيق الخير والوفرة".

هوس الحسد

في بعض الأحوال قد يصل الخوف من الحسد إلى حال مرضية تشبه الهوس، فبعض الناس يصل الأمر لديهم إلى حدود غير منطقية قد تؤدي إلى انهيار علاقاتهم الاجتماعية أو تعرضهم لاضطرابات معينة ناتجة من شعورهم الدائم بالقلق من الحسد، وحتى إلى القيام بأفعال تبدو في ظاهرها غير منطقية مثل نشر بعض الناس لصور عائلية على مواقع التواصل الاجتماعي مع إخفاء وجه الأطفال، فهنا يظهر تناقض شديد بين الرغبة في الظهور والخوف المرضي من الحسد، والأمثلة كثيرة في هذا الشأن، فكل شيء إذا زاد عن حدوده الطبيعية والمنطقية يصبح أزمة تحتاج إلى التعامل معها من المتخصصين.

استشاري الصحة النفسية وليد هندي يقول إن "الوسواس بالحسد هو واحد من ضمن أنواع متعددة من الوساوس، وهو يجعل الشخص دائماً متوتراً ولا يستطيع الاستمتاع بالحياة ويتجنب العلاقات الاجتماعية ويقلصها لأقصى حد، فلديه دائماً قناعة بأن الناس ستحسده وأنه في خطر التعرض للعين والحسد. البيئة الشرقية بصورة عامة عندها استعداد فطري للخوف من الحسد، وبعض أنماط التنشئة الاجتماعية تعلي من فكرة الخوف الدائم من الشرور والحسد، فهو موروث ثقافي في بعض المجتمعات ويرتبط بكثير من الأحداث مثل هدايا المواليد وشراء سيارة أو منزل جديد والقيام بطقوس مختلفة تمنع الحسد من وجهة نظر بعضهم".

ويضيف "يصل الأمر أحياناً إلى شكل من أشكال الهوس والمرض النفسي، فهو يتجاوز هنا الحدود الطبيعية المقبولة عند الناس، ويجب أن نتوكل على الله ونحصن أنفسنا ونضع الأمور في نصابها الطبيعي ولا نحرم أنفسنا من الحياة الاجتماعية والتواصل مع الناس، ولو زاد الأمر عن حده فلا مانع من استشارة المتخصصين، فبعض الناس يكون لديهم اضطرابات معينة تجعلهم يعتقدون أن العالم كله يترصدهم، ومن ضمن ذلك فكرة الحسد، وهنا لابد من العمل على إيجاد حل أو علاج حتى لا يتسبب الأمر في إفساد حياة الشخص ومن حوله".

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة