سكاي برس/ بغداد
كتب/ مـــــراد الغــــــضبان
في كل مرة أنظر إلى واقع النجف الأشرف أتذكر بثبات ثلاث لقاءات جمعتني بسماحة السيد علي السيستاني أطال الله في عمره لقاء خاص دام أكثر من ساعة ولقاءين ضمن وفود تشرفت بالحضور فيها مع السيد الجليل الذي يصغي ويتحدث بهدوء وهيبة قلّ نظيرها لم تكن كلمات عابرة بل لحظات شعرت فيها أني أمام رجل بحجم أمة.
أكتب اليوم لا بصفتي صحفياً فقط بل بصفتي محباً ومؤمناً وعارفاً بشخصية استثنائية تمثل صمام أمان للعراق وللشيعة وللحوزة أكتب عن قلق مشروع لا يمسّ المرجع بل ينطلق من الإيمان بدوره ومن الخوف مما بعده.
سؤال ما بعد المرجعية لم يعد مؤجلاً بعد وفاة البابا فرنسيس بدأ الشارع العراقي وبالأخص الشيعي يهمس ويتساءل من بعد السيد السيستاني هل نحن مستعدون لفراغ ديني بهذا الحجم ما الذي سيحدث حين تغيب مرجعية بثقله.
الفراغ الديني لن يأتي وحده سيكون بجانبه صراع سياسي يبحث عن لحظة ارتباك المرجعية الحالية لم تكن فقط دينية بل كانت مانعة لانهيارات كبرى بعد 2003 كثير من السياسيين كانوا ولا زالوا يدركون أن كلمة من النجف كانت كافية لقلب المعادلة أو تهدئة الموقف وهذا الثقل لا يصنع ولا يورث.
الخطر اليوم في أن يُفرض على الشارع الشيعي مرجع لا يحمل هذا الوزن هذا الجيل مختلف واعٍ وناقد لا يقبل بمن يُفرض عليه من خلف الكواليس ولا بمن تُدفع به دفعة واحدة بدعم خارجي أو داخلي مجهول.
للأسف النجف لا تملك إلى الآن آلية واضحة ومعلنة لاختيار المرجع الغموض لا يزال حاكماً والتقاليد القديمة هي التي تحدد من يكون المرجع القادم وليست هناك شورى أو هيئة اختيار كما هو الحال في الفاتيكان حيث الكرسي الرسولي محكوم بإجراءات دقيقة وعلنية.
التأثيرات الخارجية محتملة وواضحة بعضها يأتي من إيران بصفتها دولة شيعية تسعى لحضور مرجعي داخل العراق وبعضه من أطراف إقليمية أخرى ترى أن المرجعية يمكن أن تُستخدم كورقة سياسية وهذا ما يهدد استقلال الحوزة ويضعف ثقة الجمهور.
رغم أن جميع المرجعيات عبر التاريخ كانت وطنية فإن المرجع السيستاني تميز بوضوح بأنه كان أبعد من التقليد فقط كان قائداً حقيقياً بعد 2003 ساهم في بناء الدولة وفي تهدئة الانقسامات وصناعة الاستقرار
اليوم تُطرح شخصية السيد محمد رضا السيستاني نجل المرجع الأعلى كشخصية دينية وازنة تعرف الواقع العراقي وتحظى بمحبة داخل الحوزة وخارجها رغم وجود تحفظات من فكرة التوريث إلا أن واقع المرحلة قد يفرض التفكير الجاد بشخصية تحمي الخط وتواصل الدور دون صدام أو كسر للتقاليد
السؤال الأهم لماذا لا توجد آلية واضحة لماذا نُبقي الأمور مغلقة ومرهونة بتسويات غير مفهومة لماذا لا يتم فتح النقاش داخل الحوزة عن شكل المرجعية القادمة ومن يحق له أن يتصدر ومن يمثل الناس فعلاً
الحوزة اليوم واقعة تحت ضغط لكنها لم تفقد كرامتها ما زال العرف يحكمها وما زالت النجف تحتفظ بمكانتها لكن هذا لا يمنعنا من المطالبة بأن يكون المستقبل أكثر وضوحاً وأكثر أمناً
رسالتي من خلال هذا المقال أن لا ننتظر الفراغ ليبتلعنا المرجعية ليست منصباً دينياً فقط بل هي مرآة مجتمع وهي صوت العقل حين تزدحم الأصوات علينا أن نحافظ عليها لا فقط باحترام الماضي بل بصناعة مستقبل واضح وحقيقي يليق بما مثله السيد السيستاني طوال هذه السنيين.. هذا المقال لايكتب من خلف شاشة بل من ذاكرة مجلس ولقاء ووفاء لمرجع لن يتكرر ..