Skip to main content

ترويض الأسود: شغف أم خطر على الحياة؟

منوعات الأربعاء 23 تشرين أول 2024 الساعة 21:46 مساءً (عدد المشاهدات 672)

سكاي برس/ بغداد

يتمتع هواة ترويض الأسود بقدر ضخم من الشجاعة والأقدام، حيث إن شغفهم بهذه الهواية يدفعهم للتعامل بشكل دوري مع أحد أشرس المفترسات على هذه الأرض، والتي من الصعب أن يتعامل معها أي شخص عادي، لكن يظل هنالك سؤال لا بد من الإجابة عليه في النهاية، وهو لماذا يتعلق بعض البشر بتربية السباع، النمور، أو أي حيوان مفترس في العموم؟

ما هو ترويض الأسود؟

ترويض الأسود هو عبارة محاولات الإنسان لتدريب الأسد من أجل حمايته، أو بغرض التسلية عبر إشراكه في عروض السيرك أو الأفلام السينمائية، وبشكل عام؛ يستخدم مصطلح الترويض كاستعارة لتوضيح مدى خطورة أي نشاط يقوم به الفرد، لذلك فالمصطلح في حد ذاته يشمل تربية الأسود، النمور، الفهود والدببة البرية وأي حيوان بمقدوره تهديد حياة الإنسان.

بالعودة إلى الإمبراطورية الرومانية، كانت ساحة الكوليسيوم بروما شاهدة على قتال المحاربين فيما بينهم حتى الموت، وكانت ذلك القتال بمثابة فقرة لتسلية النبلاء والملوك، وحتى تزداد التسلية تم إقحام الحيوانات المفترسة التي يتم اصطيادها بواسطة الجيوش، داخل ميدان القتال، ليكون المقاتل الرابح، هو من يتمكن من النجاة بحياته من أنياب الأسود الجائعة.

بحلول القرن الرابع الميلادي، توقفت عروض «فيناتيو» ‑قتال الأسود- نظرًا للتغير الاجتماعي والاقتصادي الذي طرأ على الإمبراطورية الرومانية، ورغبة الكنيسة آنذاك في إيقاف تعريض البشر لخطر مواجهة الحيوانات المفترسة بلا هدف حقيقي سوى التسلية، خاصةً بعدما تعرضت الإمبراطورية لأزمات عسكرية ومادية ضخمة تحتم توجيه الجهود لما هو أهم.

هل يمكن استئناس الأسود؟

دون شك؛ نصطدم يوميًا بمئات المقاطع المصورة التي يظهر خلالها بعض البشر متحدثين عن إمكانية تربية الأسود أو النمور داخل مقرات السكن، لكن هذا لا بد وأن يقترن بعدد من الضوابط، ربما أهمها هو الحذر، لأن الحيوانات البرية تهاجم بالفطرة، لذلك، لا يمكن أن تعامل كغيرها من الحيوانات الأليفة، حتى وإن تم تدريبها منذ سن صغير على التعامل مع البشر.

وعلى الرغم من استطاعة البعض ترويض الأسود، إلا أن هنالك بعض الحقائق التي يجب أن تدركها قبل الإجابة على السؤال أعلاه بالإيجاب أو النفي مثل:

حجم الخطر المتوقع

الأسود كائن خطير جدًا، يصعب السيطرة عليه، نظرًا لكبر حجمه، وشراسته، وحدة مخالبه وأسنانه، وذلك يتعارض كليًا مع مواصفات الحيوانات التي يمكن تدجينها أو تربيتها داخل المنازل، وعلى الرغم من إمكانية ترويض الأسود، إلا أنها قد تتصرف بعدوانية أحيانًا، إذا شعرت بتهديد أو عدم احترام.

بالتالي؛ لا يستبعد أن يقوم الأسد المروض بالهجوم على المحيطين به، في لحظة غضب، سواء كان من أغضبه أو أشعره بالتهديد، شخص بالغ أو طفل، لذلك ينصح بعدم محاولة اقتناء مثل تلك المفترسات ‑إن لم تكن ذا خبرة في التعامل معها- داخل المنزل تجنبًا لحدوث المشكلات، فبالفعل قد تبدو الأسود ودودة أحيانًا إلا أنها لا تزال خطرة جدًا.

تربية الأسود مكلفة للغاية

تحتاج الأسود للكثير من الأموال كي تحتفظ بها، فهي تتغذى على اللحوم بكميات ضخمة، ويعد ذلك السبيل الوحيد لإبقائها سعيدة، كما أنه لا يمكن أن تحتفظ بأسد داخل مكان نومك، لأن الأسود تفضل أن تحظى بمسكن خاص مجهز لها وحدها، ويفضل أن يكون بمساحة كبيرة. أضف إلى ذلك ضرورة رعاية الأسود طبيًا بشكل دوري، وهو أمر مكلف ماديًا أيضًا، باختصار؛ استعد لحرق ملايين الدولارات إن أردت أن تحتفظ بأسد داخل منزلك، فبغض النظر عن سعر شرائه الذي قد يصل إلى 100 ألف دولار، ستحتاج نحو 100 ألف أخرى لتجهيز مسكن يليق به، وقرابة الـ30 ألفا سنويًا لرعايته طبيًا.

الوقت

على الرغم من أن الأسود حيوانات تعرف بكونها مسؤولة، إلا أن ترويض الأسود في حد ذاته أمر يحرق الكثير من الوقت والمجهود، فعلى الأقل يحتاج الفرد المتخصص لقضاء 3 ساعات يوميًا مع الأسد حتى يروضه بشكل كامل.

هل تهاجم الأسود البشر دون سبب؟

للأسف، تهاجم الأسود البشر أحيانًا دون سبب واضح، وهو أمر جيني، لأن الأسود ترى في البشر فريسة، وبغض النظر عن ذلك، فقد تهاجم ذكور الأسود البشر إذا ما شعرت بأنهم يشكلون خطرًا متوقعًا، حتى وإن كان عن غير عمد، كذلك قد تلجأ اللبؤات إلى مهاجمة البشر إذا ما شعرت بالخطر على أشبالها بسبب البشر.

لهذه الأسباب وضعت بعض التحذيرات التي يجب أن يتبعها الإنسان من أجل حماية نفسه من هجمات الأسود المتوقعة، وهي:

-الحفاظ على مسافة كبيرة بينك وبين الأسد.

-عدم الاقتراب تحت أي ظرف من أشبال الأسد.

-عدم محاولة استفزاز الأسد بالصراخ أو التلويح باليدين أمام وجهه.

مروض الأسود

بعد أن تعرفنا على مدى خطورة ترويض الأسود، يجب الآن التطرق إلى الأشخاص الذين لم يكترثوا بكل ما تم ذكره، سواءً كان السبب في ذلك، شغفهم وحبهم لهذه لحيوانات المفترسة، أو حتى العائد المادي الكبير الذي تدره العروض التي يقدمونها مع تلك القطط الكبيرة داخل السيرك.

في عام 1819، دخل فنان سيرك فرنسي يُدعى هنري مارتن قفصًا به نمر، مما صدم الجمهور عندما خرج بدون خدش، وسرعان ما أدرك مارتن، مدرب الخيول المتقاعد، أن النمر يطيع سلسلة من الأوامر البسيطة، ليقوم بعد ذلك بدمج الأسود في عمله أيضًا، وبهذا أصبح أول مروض أسود مشهور، بعد أن حصل على ثقة القطط الكبيرة شيئًا فشيئًا بمرور الوقت.

مع مرور الوقت، مل رواد السيرك من العروض التي تنتهي بخروج إنسان من قفص المفترس، وأبدوا رغبة في أن تصبح العروض أكثر خفة، وتظهر مدى قدرة المروض على التحكم بهذا المفترسات، لذلك قضى بعض مدربي الحيوانات المعاصرون أوقاتًا طويلة لدراسة سيكولوجية التعامل مع الأسود، والحيوانات المفترسة بشكل عام، وخلصوا إلى استراتيجية مثالية في النهاية.

مدرب وليس مروض

تعتبر تقنيات ترويض (أو تدريب) الأسد أكثر إنسانية في الوقت الحالي وتستبعد العتلات والعصي والبنادق، حيث أصبحت تكتيكات التخويف، التي تعتمد على مسك المروض لسوط أو كرسي لإرباك الأسد موضة قديمة. وبدلًا من ذلك، يستخدم معظم مدربي الأسود اليوم مزيجًا من التكرار والثقة والتشجيع لتدريب قططهم الكبيرة.

يرفض الآن معظم المروضين أن يتم وصف عملهم بترويض الأسود، حيث يرون في هذه الحيوانات المفترسة شركاء نجاح، لذلك فهم يعتقدون أن الوصف الأمثل لهذه الوظيفة هو المدرب، الذي يتلخص عمله في الحصول على احترام وثقة الحيوان الشرس، وتعليمه أداء الحيل أو التصرف بطريقة معينة في مقابل الغذاء والتعزيز الإيجابي.

التكيف الفعال والكلاسيكي

يقوم المدربون بتعليم الحيوانات ربط السلوك بإشارة ما، ثم مكافأة الحيوان على السلوك الصحيح، عندما يتصرف الحيوان بالطريقة المرغوبة، أو حتى بشكل قريب من الطريقة المرغوبة، يقدم المدرب تعزيزًا إيجابيًا (عادة في شكل طعام)، وربما تبدو هذه الطريقة مألوفة لدى هواة تربية الكلاب، لكن الفارق الوحيد هو أن الكلب حيوان أليف أما الأسد فليس كذلك.

هل تهاجم الأسود المروضة البشر؟

بالتأكيد تم تسجيل عدد من الهجمات التي قام بها بعض الأسود على مدربيهم، والتي أودت بحياتهم في نهاية المطاف، ولتفسير هذه الحوادث، يعتقد أن الأسود لا تجد في السيرك أو المسرح موطنًا طبيعيًا لها، مما يجعلها تشعر بالغضب وأحيانًا بالإحباط، ما يجعلها تقدم على الهجوم على مدربيها للتنفيس عن ذلك الغضب.

من جهة أخرى ترجع بعض منظمات حقوق الحيوان السبب في مهاجمة المفترسات المروضة للبشر إلى سوء المعاملة سواء بالضرب، أو الإنهاك البدني لهذه هذه الحيوانات بالغرف المغلقة، عكس ما يحدث أمام الجمهور الذي يحضر العروض.

أشهر المروضين الذين تعرضوا لهجوم الأسود

تطول قائمة الأشخاص الذين تمت مهاجمتهم من قبل الأسود المروضة داخل الأقفاص الخاصة بعروض السيرك، ولعل أبرزهم:

جاك بونافيدا

كان جاك بونافيدا أحد أشهر مروضي الأسود بمطلع القرن العشرين، والذي نسب إليه ترويضه لقفص يحتوي على 27 أسدًا مفترسًا في عرض أقيم بـ«كوني آيلاند» في نيويورك عام 1904، واستمرت مسيرته الحافلة لقرابة الـ50 عامًا. وطبقًا لبعض الشهادات تعرض الرجل الذي عرف بـ«المتحدث للأسود» لهجوم من أحد الأسود يدعى «بالتيمور» أثناء تأديته لعرض بصالة «مولان روج» في العاصمة الفرنسية باريس، نتج عنه بتر ذراعه الأيسر كاملًا، قبل أن يفارق الحياة عام 1917، بعدما هاجمه دب قطبي ضخم أثناء تدريبه على أحد العروض بسيرك بوستوك.

محمد الحلو

كان محمد الحلو أحد الأشخاص الذين منحوا السيرك القومي المصري اسمه، حيث استطاع ترويض الأسود بشكل مثالي ومسلٍ، ما جعل اسمه يتربع فوق عرش مروضي الأسود العرب. وبدأت قصة تعرضه للهجوم أثناء أحد العروض عام حينما استدار ليتلقى تصفيق الحضور بعد عرض ناجح مع الأسد (سلطان)، ودون مقدمات، قفز الأسد على كتفه من الخلف وأنشب مخالبه وأسنانه في ظهره، ليسقط على الأرض وسط الدماء قبل أن يتم نقله إلى المستشفى لكن محاولات إنقاذه فشلت ليفارق الحياة بعد ذلك بأيام. أخيرًا وللإجابة على السؤال الذي طرح في عنوان الموضوع، ربما يجد البعض في ترويض الأسود شغفًا، وقد يحدث ذلك بسبب اعتقاد المروضين بأن علاقتهم بالقطط الكبيرة تتخطى علاقة إنسان بكائن مفترس، وهذا قد يصح أحيانًا، لكنه غير محمود العواقب في أخرى.

حمل تطبيق skypressiq على جوالك
الأكثر قراءة