سكاي برس/ بغداد
تتصاعد حملات التشجير بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة في عموم المحافظات العراقية عبر تنفيذ مبادرات حكومية لزيادة المساحات الخضراء بعد تقلصها نتيجة التغيرات المناخية، فيما يؤكد مختصون على أهمية اختيار الأشجار المقاومة للجفاف وبما يناسب الظروف المناخية لكل منطقة.
وتعتبر ظاهرة التصحر من التحديات البيئية المتفاقمة التي يعاني منها العراق، خاصة في ظل شحة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، إذ يؤدي التصحر إلى تدهور الأراضي الزراعية وانتشار العواصف الترابية، مما يؤثر سلباً على البيئة والصحة العامة، فضلاً عن الأضرار الاقتصادية، بحسب مختصين.
حملات التشجير
وتدعو لجنة الزراعة والمياه والاهوار النيابية إلى إطلاق حملات للتشجير في جميع المحافظات العراقية، تتزامن مع التوجه الحكومي بإطلاق حملة تشجير كبرى للمحافظات كافة لما عاناه العراق من جفاف وتصحر نتيجة التغيرات المناخية ونقص المياه والاحتباس الحراري سواء نتيجة الظروف الطبيعية أو بسبب الحروب التي مرت على البلاد، ما أدى إلى إهمال ملف التصحر والجفاف في السنوات السابقة.
وتوضح نائب رئيس اللجنة، زوزان علي صالح في حديث لها ، أن "العراق يعد الخامس عالمياً بالتأثر بالجفاف، كما تقلصت الأراضي الصالحة للزراعة نتيجة التغيرات المناخية والاحتباس الحراري واحتباس الأمطار ونقص المياه في دجلة والفرات نتيجة قلة الواردات المائية من دول الجوار لكِلا النهرين".
وتؤكد، أن "ظاهرة التصحر والجفاف مشكلة كبيرة وتحتاج إلى تقليص توسعها لما لها من آثار كارثية سواء على البيئة أو على القطاع الزراعي، وحتى على المجتمع في الكثير من المحافظات، حيث أدى الجفاف والتصحر إلى اضطرار المواطنين للهجرة من الريف إلى المدن، كما لها تأثير أيضاً على الأمن الغذائي والأمن المجتمعي بشكل عام".
"لذلك حملات التشجير سيكون لها تأثير إيجابي لتقليص المساحات المتصحرة، لكن نجاح هذه الحملات تتطلب دعماً حكومياً من توفير الشتلات وإيجاد طرق حديثة لمكافحة التصحر والجفاف خاصة في المناطق الصحراوية، كما تحتاج عمليات التشجير إلى الاستمرارية والمتابعة، فضلاً عن أهمية أن التنسيق ما بين المؤسسات الدولة كافة وإشراك أفراد المجتمع لإنجاح حملة التشجير في البلاد".
شجرة الجاكرندا
وآخر حملات التشجير، ما أعلنته دائرة البستنة في وزارة الزراعة عن سعيها لتوطين نوعيات من الأشجار، أبرزها ما تم إقراره من توطين شجرة الجاكرندا ذات اللون البنفسجي وإكثارها وزراعتها في جوانب الطرق والشوارع الرئيسية في البلاد.
وعن تفاصيل شجرة الجاكرندا يبين مدير الدائرة، هادي الياسري في حديث له ، أن "شجرة الجاكرندا لها مميزات شكلية جميلة وفوائد كثيرة للبيئة بطرحها كميات كبيرة من الأوكسجين وتوفير الظل، وهي تعيش في الأجواء الحارة الرطبة".
ويضيف أن "هذه الشجرة كانت مزروعة على نطاق ضيق على المستوى التجريبي، لكن بعد نجاح هذه التجربة تم إقرار برنامج بين دائرتي البستنة والإرشاد الزراعي وهو حالياً في إعداد الصيغة النهائية لعرضه على المجلس الوطني وهيئة الرأي في وزارة الزراعة لاستحصال الموافقات لزراعة الجاكرندا في عموم المحافظات تبعاً للبيئة المناسبة للشجرة والمتطلبات المناخية لها".
وينوّه الياسري، إلى أن "البرنامج لا يقتصر على شجرة الجاكرندا، بل يتضمن البرنامج أشجاراً جديدة غير مزروعة سابقاً في العراق، وهناك تعاون مع الجهات الدولية المانحة مثل أكساد ومنظمة الفاو من أجل الحصول على مصادر أشجار غير مزروعة سابقاً وتكييفها وتوطينها وزراعتها في العراق، وسيتم زراعة هذه الأشجار بما يتلائم مع الحاجة في جوانب الطرق والشوارع الرئيسية".
حملة في أيلول المقبل
ومن ضمن حملات التشجير أيضاً، ما أعلنه نائب رئيس فريق التواصل الحكومي عدنان العربي، في بيان أول أمس الثلاثاء، إطلاق حملة لتشجير شوارع بغداد بشجرة (البيزا) العملاقة يوم الخامس من أيلول المقبل بواقع (500) شجرة كل (5) أيام"، مشيراً إلى أن "انطلاق التشجير يأتي تمهيداً لإطلاق الحملة الوطنية الكبرى للتشجير التي تصادف يوم الخامس عشر من أيلول المقبل وحسب توجيهات رئيس مجلس الوزراء".
وفي هذا السياق، يقول المتحدث باسم وزارة الزراعة، محمد الخزاعي، إن "هذه المشاريع التي تقوم بها دائرة البستنة ودائرة الغابات ومكافحة التصحر في وزارة الزراعة تأتي مكملة لمشروع زراعة 5 ملايين شجرة للمبادرة التي أطلقها رئيس الوزراء في مؤتمر المناخ بالبصرة عام 2023".
ويؤكد الخزاعي في حديث له ، أن "مبادرة زراعة 5 ملايين شجرة والتي أشرفت عليها لجنة مشكلة برئاسة وزير الزراعة وعضوية عدد من الوزارات والدوائر المعنية تكللت بالنجاح، حيث تم تنفيذ هذه المبادرة وتجاوزها إلى زراعة 6 ملايين و400 ألف شتلة من مختلف الأشجار من النخيل والزيتون والحمضيات".
ويضيف، "كما قامت دائرة الغابات ومكافحة التصحر بزراعة أنواع معينة من الأشجار، منها شجرة الجاكرندا باعتبارها واحدة من الأشجار الظلية ذات الألوان الجميلة وتعكس انطباعات إيجابية لدى المواطن، والبلاد بحاجة إلى مثل هذه النوعيات من الأشجار التي نجحت في المناخ المشابه للمناخ والبيئة العراقية".
ويشير الخزاعي إلى أن "هذه الخطوة تأتي لتحقيق مقولة (عراق أجمل) و(عراق أخضر) التي تسعى إليها وزارة الزراعة، وتعويضاً للمساحات التي خسرت في السنوات الماضية لأسباب عديدة منها ظواهر التغير المناخي والشح المائي والجفاف وارتفاع درجات الحرارة".
استراتيجية مكافحة التصحر
ولمكافحة التصحر في العراق خلال الظروف الراهنة، يمكن - بحسب الخبير الزراعي خطاب الضامن - تبني استراتيجية تعتمد على زراعة مجموعة من الأشجار المقاومة للجفاف، والتي يمكن أن تساعد في استعادة الغطاء النباتي وتخفيض درجات الحرارة، والتقليل من العواصف الرملية حول المدن.
وفي سبيل تحقيق هذه الاستراتيجية ينصح الضامن خلال حديثه له، اتباع مجموعة خطوات تبدأ باختيار الأشجار المقاومة للجفاف، حيث "من المهم اختيار أنواع من الأشجار التي تتمتع بقدرة عالية على تحمل الجفاف، والتكيف مع الظروف المناخية القاسية".
ومن هذه الأشجار، يوضح الضامن، هي - على سبيل المثال لا الحصر - "شجرة الطلح أو الأكاسيا (Acacia spp) التي تتميز بقدرتها على تحمل الجفاف والملوحة العالية، وهي شائعة في المناطق الصحراوية، وكذلك النخيل التي تتميز بتحملها لدرجات الحرارة العالية والجفاف".
ومن الأشجار التي تتمتع بقدرة عالية على تحمل الجفاف هي "الأثل (Tamarix spp) المقاومة للجفاف والملوحة، وهذه الشجرة تستخدم في تثبيت الكثبان الرملية وتحسين التربة، وهي منتشرة في بعض مناطق العراق"، وفق الضامن.
ويتابع الضامن حديثه: "وكذلك شجرة الزيتون (Olea europaea) دائمة الخضرة، والتي تتحمل الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة، وهي مناسبة للمناطق ذات المناخ الحار والجاف، كما هناك اليوكالبتوس والسدر والسيسبان وغيرها من الأشجار المقاومة للجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة". ويشير الخبير الزراعي إلى أن طرق توفير المياه والري عامل ثاني في استراتيجية مكافحة التصحر، "حيث يعد توفير المياه من التحديات البارزة في عمليات مكافحة التصحر، ويمكن استخدام بعض الطرق المبتكرة لتوفير المياه، منها حفر الآبار الإرتوازية بما يتناسب مع حجم المناطق المزروعة".
ويضيف، "وكذلك الاستفادة من مياه الأمطار من خلال بناء أنظمة لخزن مياه الأمطار في خزانات تحت الأرض لاستخدامها خلال فترات الجفاف، وكذلك استخدام المياه المعالجة من محطات الصرف الصحي لري الأشجار خاصة في المناطق الحضرية، أما الري بالتنقيط فهو يعد من أكثر الطرق فعالية في توفير المياه، حيث يتم توزيع المياه ببطء مباشرة إلى جذور الأشجار".
وعن العامل الثالث في استراتيجية مكافحة التصحر، يبين الضامن أنه يتعلق بـ"مراعاة التفاوت الجغرافي والمناخي"، حيث "يتميز العراق بتنوع جغرافي ومناخي بين مناطقه الجنوبية والشمالية، والشرقية والغربية والوسطى، مما يستدعي بناء استراتيجيات لمكافحة التصحر تتناسب مع الظروف المناخية لكل منطقة".
ويشرح ذلك بالقول إن "المناطق الصحراوية الغربية تتطلب الأشجار التي تتحمل الملوحة والجفاف الشديد، مثل الأكاسيا والأثل والسدر وغيرها، أما المناطق الجبلية الشمالية فيمكن زراعة أشجار فيها مثل الصنوبر والبلوط التي تتحمل البرودة وتحتاج إلى كميات أكبر من المياه". وعن المناطق الوسطى والجنوبية، يقول الضامن إن "هناك مجموعة من الأشجار يمكنها التكيف مع المناخ السائد في هذه المناطق، مثل النخيل والزيتون والأثل واليوكالبتوس وغيرها، إذ تعد مناسبة للزراعة في هذه المناطق نظراً لتحملها درجات الحرارة المرتفعة والجفاف".
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أطلق في 12 آذار 2023 مبادرة "كبرى" لزراعة 5 ملايين شجرة ونخلة في عموم محافظات العراق. وقال السوداني في كلمة بمؤتمر العراق للمناخ في البصرة، إن التغيرات المناخية التي تمثلت بارتفاع معدلات درجات الحرارة، وشُحّ الأمطار، وازدياد العواصف الغبارية، مع نقصان المساحات الخضراء، هددت الأمن الغذائي والصحي والبيئي والأمن المجتمعي.
وأشار إلى تضرر أكثر من 7 ملايين مواطن، عانت مناطقهم الجفاف، ونزحوا بمئات الألوف لفقدا انهم سبل عيشهم المعتمدة على الزراعةِ والصيد، وأكثر ما يُؤسف له الجفافُ الشديد الذي أصاب اهوارنا الجميلة.
يذكر أن العراق اعتمد يوم 12 آذار من كل عام يوماً للتشجير الوطني لتشجيع الناس على زراعة الأشجار والنخيل والاعتناء بها وحماية الغطاء النباتي، ويهدف هذا اليوم أيضاً إلى زيادة رقعة المساحات الخضراء وترميم الغابات الطبيعية وحمايتها مع إعطاء المزيد من الاهتمام لترميم المساحات المزروعة وزرع مساحات خضراء جديدة.