سكاي برس/ بغداد
منشورات في شوارع دمشق، بعضها يروج لـ "حجاب المرأة المسلمة" والآخر لـ "لباس المرأة الحرة". الأول تظهر فيه امرأة مغطاة بالكامل لا يظهر منها أي شيء ويحدد معايير "الحجاب الشرعي"، أما الثاني يظهر امرأة بـ "تي شيرت" أبيض يحمل علم الثورة السورية مفاده بأن ترتدي المرأة "ما تريد".
المنشوران يعكسان "حالة المخاض التي يعيشها المجتمع السوري"، بحسب ما يؤكد الأكاديمي المتخصص بعلم الاجتماع، طلال مصطفى. وقال إن "الحراك على المستوى السياسي ينعكس بالنهاية على الحالة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في البلاد، لهذا نجد من يلصق منشورات مضادة في الشارع ذاته".
وذكر أن "الإدارة السورية الجديدة لها طابع إسلامي، وهذا ينعكس بحدوث "هزات ثقافية في المجتمع السوري"، لافتا إلى "وجود اختلافات أيضا داخل الفصائل المسلحة، فمنها من هو معتدل ومنها من هو متشدد".
فيما قالت كاتيا الخطيب، في منشور "عندما يحاول المقاتلون الملثمون فرض ما يسمونه الحجاب الشرعي تنتفض النساء ضدهم".
وذكر الأكاديمي مصطفى وهو مقيم في فرنسا، إن "سوريا فيها فسيفساء متنوعة من الفئات والطوائف والمجموعات الفرعية، وقد تجد اختلافات على مستوى المدينة، أو القرية، وفي بعض الأحيان على مستوى البيت الواحد، فتجد من تضع الحجاب بطريقة معتدلة وتكون شقيقتها لا ترتديه".
وأشار إلى أنه "حتى اللاتي يرتدين الحجاب في سوريا، تجد اختلافا بين ما ترتديه المرأة في دمشق عما ترتديه النساء في حلب أو حماة أو درعا، ولكل مدينة خصوصيتها وموروثها الثقافي والاجتماعي". الممثلة السورية، علياء سعيد تعجبت من طرح موضوع لباس المرأة باعتباره تدخلا في حرية النساء في سوريا وبأبسط حقوقهن، معتبرة أنه "طرح مرفوض في دولة قامت فيها ثورة للمطالبة بالحرية".
ورد عليها أحد المعلقين بالقول إن "الدعوة طوعية للحجاب ولن يجبر أحد النساء على لباس معين"، مشيرا إلى أنه "في فرنسا بلد العلمانية يحظر لبس النقاب ويفرض عليها غرامة، متسائلا "أين الحرية المزعومة؟".
ويرى مصطفى أن "الاختلاف قد يكون حالة صحية إذا ما بقي في نطاق التعددية والتعبير عن حرية الرأي والمعتقد من دون عنف"، مشيرا إلى أن "الفئة المتشددة من الإسلاميين كانت تخاف الخروج للعلن والحديث عن معتقداتها بحرية في ظل نظام بشار الأسد، ولكنها الآن تمارس حقها في التعبير عن رأيها".
وفي عام 2010 قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، حظرت السلطات ارتداء النقاب في الجامعات، معتبرين أنه "يتعارض مع القيم والتقاليد الجامعية".
وفي ذلك العام كشفت الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الانسان أن حوالي 1200 معلمة كن يرتدين النقاب تم إبعادهن عن القطاع التربوي، رغم أن قانون العمل الأساسي لا ينص على مادة تمنع المنقبات من العمل.
وبعد اندلاع الحرب، عادت السلطات عن قراراها ورفعت الحظر عن ارتدائه في الجامعات والمدارس. وخلال سنوات الحرب، وفي أعقاب سيطرة فصائل مسلحة متشددة على بعض المدن تم إرغام النساء على ارتداء الحجاب تحت طائلة التهديد بتعرضهن للأذى.
وفي 2019 عادت السلطات السورية للتعميم على حظر ارتداء الحجاب في الجامعات بذريعة منع انتحال الشخصية. وتحدث منشور على منصة "إكس" عن "حملة مضادة لإعلانات حجاب المرأة في سوريا، النساء في سوريا أحرار، من المستحيل أن يقبلوا بالعبودية".
وأكد مصطفى أنه "في بضعة مدن سورية هناك من يرتدي الحجاب الإسلامي والنقاب بطريقة قد ينظر إليها البعض على أنها متشددة، وهذا ينبع من حريتهم في ممارسة معتقداتهم الدينية والاجتماعية، وفي المقابل لا يجب فرض أي من هذه المعتقدات أو فرضها على سوريا بالكامل".
ويعتقد أن "أحد المنشورات التي يتم تداولها هو الأفضل لسوريا، بأن لا يكون مفروضا على أحد، وأن يشعر المرأة بالراحة، ويعبر عن شخصيتها، ويناسبها".
ويحمل المنشور صورة لثلاث نساء: واحدة بحجاب معتدل، والثانية بنقاب يغطي الوجه، والثالثة من دون أي حجاب أو نقاب وأيدت منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي هذا المنشور على اعتباره هو "لباس المرأة الحرة".
وقال مصطفى إن البعض في سوريا يقول "لا نريد أن نصبح مثل أفغانستان، حيث تجبر النساء على ارتداء النقاب، والبعض يقول نريد أن نصبح مثل تركيا، حيث يمكن للنساء الآن ارتداء ما يشأن".
ويرى أن النموذج الأفضل في البلاد، هو ما يتفق عليه السوريون بحرية الرأي والمعتقد، بما يشمل ذلك اللباس، وهذا من الأمور التي يجب أن يتضمنها أي دستور للدولة. المخاض الذي تعيشه سوريا ما بعد بشار الأسد، مسألة ارتداء الحجاب من عدمه، ربما ليست الأولوية التي يتطلع إليه الشعب الذي تعرض للقتل وأبشع صور التعذيب، لكنه بالنهاية قد يكون أمرا هاما يعكس التعددية والحرية التي يريدها السوريون.