كشف موقع AGBI بأن حكومة إقليم كردستان تواجه انتكاسةً كبيرةً في صناعة النفط بعد أن أتى الحكم الصادر من المحكمة الدولية لصالح الحكومة المركزية في بغداد بتعليق صادرات النفط الخام عبر خطوط الأنابيب من إقليم كردستان العراق.
وأضاف الموقع بإن النزاع ما بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق يعود إلى عام 2014، حينما بدأت حكومة إقليم كردستان بالتصدير المباشر للنفط من خلال إبرام اتفاقيات إنتاج مع العديد من شركات النفط الدولية، وهي خطوة أشعلت نزاعاً طويلاً أدى إلى حجب الحكومة المركزية لحصة الإقليم من ميزانية الدولة بشكل دوري.
ورفعت الحكومة العراقية دعوى قضائية ضد تركيا، بحجة أن الحق القانوني الوحيد لتصدير النفط عبر خط الأنابيب إلى مدينة جيهان التركية يعود إلى الحكومة المركزية في بغداد وحدها، وليس حكومة إقليم كردستان. وأتت نتيجة قرار محكمة التحكيم الدولية بوقف فوري لواردات خطوط الأنابيب من قبل تركيا، مما وجه ضربة مالية وسياسية قوية لحكومة إقليم كردستان المدينة بـ 3.35 مليار دولار لمشتري النفط اعتباراً من 31 ديسمبر.
وقال بلال وهاب، الحاصل على زمالة من برنامج واغنر الذي يقدمه معهد واشنطن للسياسة في الشرق الأوسط، في مقابلة مع الموقع نفسه إن "هذه الخسارة تمثل ضربةً كبرى لصناعة النفط والغاز في إقليم كردستان العراق، صحيح أنها أتت بعد سلسلة من الخسائر السابقة، ولكن هذه الخسارة بالذات مختلفة إذ إنها قد تكون حاسمة بشكل كبير".
وتابع موقع AGBI إنه في فبراير 2022، أصدرت المحكمة الاتحادية العراقية حكماً يوجب فيه حكومة إقليم كردستان بتسليم كل النفط الخام المنتج في الاقليم والمناطق المجاورة له إلى وزارة النفط في بغداد، وإلغاء عقود النفط لحكومة إقليم كردستان، بما في ذلك الاتفاقيات المتعلقة بالتنقيب والاستخراج والصادرات والمبيعات الأخرى.
وعلى الرغم من طلبات التعليق، التزمت حكومة إقليم كردستان الصمت بشأن هذه المسألة بدعوى أنها غير دستورية، سائرةً على نهجها التاريخي بتجاهل الأحكام الضارة بمصالحها التي تصدرها الحكومة المركزية، بحسب الموقع.
وقال بلال وهاب إن "هذا الحكم الدولي يعتبر تعزيزاً لموقف بغداد، مما يضعف موقف الحكومة الإقليمية لكردستان بشكل كبير. الآن، الحكومة الإقليمية تعتمد على حسن نية بغداد لاستمرار صناعتها الرئيسية".
ووفقاً للموقع فإنه في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2021، بلغ إنتاج النفط في حكومة إقليم كردستان حوالي 437 ألف برميل يومياً، وهو ما يمثل حوالي عُشر من إجمالي إنتاج النفط العراقي فقط. بالإضافة إلى أن ما يقرب من 90٪ من النفط الخام الكردي تم تصديره عبر خطوط الأنابيب، وفقاً لتقرير "ديلويت" الذي تم إعداده لصالح حكومة إقليم كردستان.
ويقدّر بلال أن سعة التخزين لدى الإقليم ليس بإمكانها استيعاب سوى ما يصل إلى خمسة أيام من الإنتاج. ما لم تتوصل أربيل وبغداد إلى اتفاق لاستئناف الصادرات القائمة على خطوط الأنابيب، فمن المرجح أن ينخفض الإنتاج أو يتوقف تماماً بحلول يوم الأربعاء.
وأضاف بلال:" هذا الحكم يمثل النهاية بما يتعلق بصناعة النفط والغاز بالطريقة التي نعرفها اليوم في حكومة إقليم كردستان، لذا فإن السؤال هو إلى ماذا ستتجه إليه كبديل؟"
اعتادت حكومة إقليم كردستان على بيع نفطها بخصم كبير مقارنةً بأسعار السوق العالمية، إذ كان متوسط سعره في ديسمبر 62.95 دولاراً للبرميل، مقارنةً بمتوسط خام برنت البالغ 80.92 دولاراً. وسبب هذا التفاوت يعود جزئياً إلى المخاطر السياسية التي ينطوي عليها التداول مع حكومة إقليم كردستان، بحسب الموقع.
ويضيف بلال إنه في حال" إذا توصلت حكومة إقليم كردستان إلى اتفاق مع بغداد، فسيمكنها فرض بضع دولارات إضافية على البرميل، مما يجعل سعره مكافئاً لأسعار السوق. ومع ذلك، فإن هذا سيتطلب من حكومة إقليم كردستان التخلي عن بعض استقلاليتها السياسية، مما قد يكون له عواقب وخيمة".
ويقول دوغلاس سيليمان، رئيس معهد دول الخليج العربية في واشنطن والسفير الأمريكي السابق في العراق من الفترة 2016 إلى 2019، في مقابلة أجراها للموقع إن "الأكراد منحوا استقلالاً اقتصادياً أكبر مما كان كثيرون في بغداد على استعداد لقبوله، بما في ذلك القدرة على توقيع اتفاقيات مشاركة الإنتاج مع شركات النفط العالمية والمنتجين الآخرين".
وأكمل بإنه" على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، استند معظم النشاط الاقتصادي في كردستان إلى شروط قانونية لم تقبلها بغداد، لكنها قُبلت في أربيل والسليمانية. لذلك فإن حكم المحكمة الاتحادية يشكل تهديداً كبيراً للاستثمار الأجنبي في كردستان يتجاوز قطاع النفط والغاز فقط".
ويضيف AGBI إن النزاع النفطي الجاري يلقي بضرر كبير على حكومة إقليم كردستان، ويؤثر على مصداقيتها ويقوض الاستثمارات الأجنبية في المنطقة. حيث يقول فرناندو فيريرا، مدير خدمة المخاطر الجيوسياسية في "Rapidan Energy Group" ومقرها الولايات المتحدة، إن "حكومة إقليم كردستان بالفعل متأخرة بشهور فيما يخص المدفوعات النفطية إلى شركات النفط الدولية، وهو عامل يضعف ثقة المستثمرين في الإقليم وكما يؤثر على رغبة الشركات في الاستثمار، لأنهم لا يثقون في أنهم سيتقاضون رواتبهم في الوقت المحدد".
ومما زاد الأمر تعقيداً، أن الضغوط التي مارستها بغداد مؤخراً أجبرت ثلاث شركات خدمات حقول نفط أمريكية وهي شلمبرجر، وبيكر هيوز، وهاليبرتون، على الانسحاب من كردستان، ورفضت الشركات الثلاثة التعليق على الأمر، حسبما أفاد الموقع.
وفي ضربة أخرى لحكومة إقليم كردستان، فسخت شركة النفط ترافيجورا، في شهر مارس، عقودها مع حكومة الإقليم، وفقاً لما قاله متحدث باسم AGBI.
ويقول بلال إنه "على الرغم من إبطال عقود النفط لحكومة إقليم كردستان من قبل المحكمة الاتحادية، إلا أنه بالإمكان التوصل إلى حل وسط بين أربيل وبغداد على المدى الطويل. من خلال جعل الاتفاق بين الطرفين يسمح للقوانين القديمة بالاستمرار في التطبيق على بعض المواقف الحالية بينما يتم تطبيق القانون الجديد على جميع الحالات المستقبلية، وهذا يعني أن أي عقود نفط حالية موقعة من قبل حكومة إقليم كردستان مع شركات النفط الدولية سيسمح لها بالاستمرار على الرغم من إبطالها بحكم المحكمة الاتحادية، في حين أن أي عقود جديدة يجب أن تمتثل للقانون الجديدة".
اقترح بلال أن "وقف قرار المحكمة الاتحادية يمكن أن يكون خياراً يُعمل به، لكن الحل الأمثل هو أن يسن العراق قانوناً وطنياً للمواد الهيدروكربونية. ظل هذا القانون معلقاً منذ صياغة الدستور العراقي عام 2005، وكانت صناعة النفط والغاز تُحكم في الغالب وفقاً للقوانين التي أرسيت في النظام السابق. كما يجب أن يكون هنالك، بطريقة أو بأخرى، مادة قانونية تضفي الشرعية على عقود النفط والغاز الموقعة من قبل حكومة إقليم كردستان، وأن تجعل هذه المادة حكومة إقليم كردستان وحدها، وليس بغداد، المسؤولة عن الأموال المستحقة".
وشدد بلال على أن "حكومة إقليم كردستان يجب أن تعترف بهزيمتها والمضي قدماً" معترفاً بأن "نهج الإقليم تجاه النفط باعتباره أصلاً جيوسياسياً وليس اقتصادياً كان خطأ".