سكاي برس/ بغداد
يشهد تعديل جداول موازنة عام 2025 تأخيرًا يثير جدلاً واسعًا بين الحكومة والبرلمان والاقليم، على الرغم من إقرار الموازنة العامة الاتحادية وفق ما يسمى بـ "الموازنة الثلاثية" لضمان عدم التوجه الى تعديلها سنويا، لكن استمرار خسارة العراق لاموال طائلة تقدر بـ 24 مليار دولار بحسب مراقبين، منذ إيقاف تصدير نفط إقليم كردستان ولغاية الان، استدعى سعيا نيابيا وتحركات مكوكية لتعديل المادة 12 من الموازنة، والتي اثارت جدلا واسعا وانقساما حادا أدى الى دخول الحكومة على الخط وبيان رائيها من تعديل هذه المادة.
ويتضمن تعديل المادة 12 من الموازنة تحديد كلف انتاج نفط الاقليم بـ16 دولارا للبرميل الواحد. وجاء الخلاف بين الطرفين عندما تم تمرير مقترح جديد غير الذي أقرته اللجنة المالية النيابية وتمت الموافقة عليه من قبل الحكومتين (المركز والاقليم)، سيما المادة 12 الخاصة باستئناف تصدير نفط إقليم كردستان.
*موقف الحكومة
بالرغم من التوجه الشعبي والسياسي الذي يدعو الى إتمام تعديل المادة 12 رفضت الحكومة التعديل خلال جلسة البرلمان السابقة، وعزت رفض التعديل الى ان: الحكومة الاتحادية لا تؤيد التعديل المقترح للمادة 12 من قانون الموازنة لأنه يقلل إيرادات الخزينة العامة مقارنة بالنص الحكومي، ويتعارض مع ما يجري تطبيقه في بقية مناطق العراق وفق قانون الإدارة المالية النافذ، ولا ينسجم مع آليات بيع النفط قبل شركة (سومو) التي تستلم إيرادات البيع بشكل كامل كاعتمادات مستندية وتودع في حساب إيرادات النفط والغاز التابع لوزارة المالية".
*موقف الإقليم
بالمقابل، رفضت حكومة الإقليم التعديل المقترح من الحكومة والبرلمان بحسب المتحدث باسم حكومة كردستان: انه "بعد سلسلةٍ من الاجتماعات والمساعي الحثيثة الرامية إلى تعديل قانون الموازنة العامة الاتحادية، إلا أنّه وللأسف الشديد، لم يتم إقرار مشروع القانون بالصيغة المتفق عليها في اللحظات الأخيرة".
واضاف "مما زاد من استغرابنا، قيام ممثل الحكومة الاتحادية في مجلس النواب بتقديم مقترح مغاير إلى المجلس بشكلٍ منفرد، دون التشاور المسبق مع حكومة إقليم كردستان، ودون عرضه على مجلس الوزراء الاتحادي للتصويت عليه، الأمر الذي يتنافى مع قرار مجلس الوزراء السابق بخصوص المصادقة على مشروع تعديل القانون لغرض استئناف تصدير نفط إقليم كردستان".
وتابع، إنّ "مثل هذه المحاولات لا تصبّ إلا في خانة الإضرار بالعراق، وتُسهم في تعميق الأزمات بدلا من إيجاد الحلول الناجعة لها"، معلناً "رفض الحكومة التام لهذه الإجراءات والمقترحات"، مؤكداً على "ضرورة طرح مشروع القانون المتفق عليه وإقراره من قبل مجلس الوزراء الاتحادي والتصويت عليه".
*الرد على أربيل
وجاء الرد سريعا من بغداد على لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة باسم العوادي الذي نفى ما ورد ببيان حكومة الاقليم، من إدعاء بأنّ ممثل الحكومة الاتحادية في مجلس النواب عرقل تعديل المادة الخاصة بإجراءات استئناف تصدير النفط من الإقليم في الموازنة.
وقال العوادي في بيان، إن الحكومة الإتحادية أكدت "إلتزامها بالتعديلات التي أرسلت إلى مجلس النواب بشأن قانون الموازنة.
وتابع "كما نؤكد أهمية التزام حكومة إقليم كردستان بأحكام مواد قانون الموازنة العامة الاتحادية، بما يتضمن تسليم الإيرادات المالية، سواء النفطية أو غير النفطية، إلى الحكومة الاتحادية، وفقاً لما هو منصوص عليه في القانون وقرار المحكمة الاتحادية".
*موقف البرلمان
يدفع المجلس بحسب المواقف المعلنة الى إتمام التعديل وخاصة اللجنة المالية في مجلس النواب التي أعلنت في وقت سابق قبل بيان الحكومة، قرب التصويت على تعديل المادة 12 من الموازنة والمتعلقة بنفط إقليم كردستان. وأشارت إلى أن "هنالك عددًا من أعضاء اللجنة طرحوا الكثير من الفقرات وقدموا المقترحات، وسنطرحها ليكون الجميع على علم بها، لكن لا يمكن إضافتها باعتبار أن المشروع هو تعديل وليس جداول للموازنة"، مبينة ان "رأي اللجنة منذ البداية هو المضي بتعديل القانون، ولكن لا نريد أن تكون البنود والتعديلات كسابقاتها تعديلات غير منتجة".
*السلة الواحدة
الى ذلك، دعت رئيس كتلة إرادة النائب حنان الفتلاوي، مجلس النواب إلى تمرير تعديل قانون الموازنة الثلاثية بنفس السرعة التي مرر بها القوانين الثلاثة. وذكرت الفتلاوي في تدوينة: "أدعو مجلس النواب لتمرير تعديل الموازنة بنفس السرعة التي مرر بها القوانين الثلاثة خلال ثواني".
وأضافت، أن" بقاء الموازنة بدون تعديل يعني أن تستمر الحكومة بدفع ترليون دينار شهرياً رواتب للإقليم في حين تستمر الشركات في الإقليم بإنتاج 320 ألف برميل يوميا (870 مليار دينار شهريا) تُهرب خارج العراق وتباع بأسعار زهيدة أقل من أسعار سومو بكثير، إضافة لمطالبة تركيا لنا بغرامة 24 مليون دولار شهرياً بسبب عدم تصدير النفط خلال الأنبوب العراقي الممتد إلى جيهان".
*جبهة الوسط والجنوب
من جانبه، هاجم تجمع نواب الوسط والجنوب حكومة الإقليم واتهمها بـ"السرقة والتجويع لشعب كردستان.
وذكر التجمع في بيان: "تعودنا من حكومة الإقليم منتهية الصلاحية تسويق الأكاذيب من اجل التغطية على السرقات وهدر في أموال العراق وتجويع الشعب العراقي في كردستان والمتاجرة برواتب الموظفين والمتقاعدين".
وأضاف، أنه "بعد اقرار قانون الموازنة الاتحادية الثلاثية كانت هناك مواد تتعلق بالتزامات حكومة الإقليم من اجل اطلاق موازنته ولم تلتزم حكومة الإقليم الا بأمور حاولت بها ذر الرماد بالعيون من خلال تسليم حوالي 399 مليار بالواردات النفطية التي تزيد على 4 ترليون وقامت بتسليم 90 الف برميل نفط لمدة 6 اشهر فقط ثم توقفت".
وتابع: ان " اربيل عادت للاستمرار بالتهريب وبيع النفط بـ30 دولارا فقط، نصفه يذهب لأجور الاستخراج بينما شركة سومو تبيع البرميل بـ80 دولار اي بخسارة 50 دولار اي اكثر من 675 مليون شهريا".
*ملف التهريب
وبالرغم من نفي التهريب نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر مطلعة ومسؤولين حكوميين في العراق، أن مئات من شاحنات النفط تنقل ما لا يقل عن 200 ألف برميل من النفط الرخيص يوميا من كردستان، وبحسب هذا التقرير فإن القيمة الشهرية لهذه الشحنات النفطية تقارب 200 مليون دولار.
وجمعت "رويترز" تفاصيل هذه العمليات من خلال مقابلات مع أكثر من 20 شخصا، من بينهم مهندسو نفط يعملون في حقول النفط العراقية، ورجال أعمال، ومسؤولون حكوميون، وسياسيون ودبلوماسيون، ومصادر في صناعة النفط.
*عرقلة إقرار الموازنة
وبحسب مراقبين، فان استمرار الخلافات الجارية بين البرلمان وحكومتي الإقليم والمركز بشأن تعديل المادة 12 من قانون الموازنة الاتحادية العامة سيعطل تمرير الموازنة من سينعكس سلبا على تنفيذ موازنة 2025 وسيساهم بعرقلة التمويل سواء كانت التشغيلية او الاستثمارية، وربما توقف عجلة المشاريع التي تسير بوتيرة مرتفعة الان.
*عقوبات أوبك
أصدرت المنظمة العالمية أوبك بلس قرارات بتخفيض تصدير النفط العراقي بظل استمرار تصدير كمية لا تقل عن 200 الف برميل يوميا من كردستان، وهذا ما يؤكده النائب هادي السلامي: التهريب عبر إقليم كردستان بلغ 280 ألف برميل يومياً، مشيراً إلى أن ذلك أدى إلى تخفيض حصة العراق من منظمة أوبك. وقال السلامي إن هناك حقولاً نفطية تسيطر عليها حكومة الإقليم بقوة السلاح وتقوم بتهريب النفط من خلالها بشكل علني، حسب قوله.
*خسارة العراق
من ناحية أخرى، يؤكد عضو مجلس النواب، حسين السعبري، إن تعديل المادة 12 من قانون الموازنة الخاصة برفع كلفة إنتاج نفط إقليم كردستان سيُكلف الدولة أكثر من 7.5 مليار دولار خلال ثلاث سنوات.
ويقول السعبري، أن "عدم اكتمال النصاب في جلسة البرلمان التي عُقدت يوم أمس، كان بسبب الخلافات حول تعديل المادة 12 من قانون الموازنة"، مؤكدا "رفض اللجنة المالية التعديل المقترح، والذي يتضمن رفع كلفة إنتاج النفط في إقليم كردستان من 12 إلى 16 دولاراً للبرميل الواحد".
ويعتقد اقتصاديون أن الموقف الحكومة الرافض للتعديل يأتي من منطلق التخوف من مواجهة أزمة مالية، بسبب الانخفاض المستمر في أسعار النفط، الذي يشكل المصدر الرئيس لإيرادات البلاد.