سكاي برس/ بغداد
كتب/ مراد الغضبان
لا أحد يعرف الرقم الحقيقي، ولا حتى الحكومة نفسها! لا توجد إحصائية دقيقة، ولا جهة رسمية تملك رقمًا حقيقيًا لضحايا السرطان في العراق. الأرقام المتداولة مجرد اجتهادات متفرقة، لكن الحقيقة لا تحتاج إلى ورق مختوم؛ المستشفيات تكتظ بآلاف المرضى، الأجنحة الخاصة لا تستوعب مزيدًا، والطوابير على العلاج الكيميائي تمتد كما لو أننا في انتظار إعانات غذائية لا جلسات إنقاذ حياة! في بغداد، البصرة، الموصل، النجف، وكل زاوية من العراق، لا فرق، الجميع يصطف أمام مشفى ممتلئ، يبحث عن سرير لا يجده، وعن علاج أصبح حلمًا بعيد المنال.
حتى في كردستان، التي تُسوّق على أنها تملك نظامًا صحيًا أفضل، المرضى يُحشرون في الممرات، ينتظرون دورهم كما لو أنهم في طابور الهجرة لا في مستشفى. ومن لا يجد مكانًا داخل العراق، يشد الرحال إلى الهند، تركيا، لبنان، أو إيران، حيث أصبحت تلك الدول تستقبل العراقيين كما لو أنهم تصدير بشري من بلد موبوء بالسرطان. المستشفيات هناك أيضاً تغصّ بالعراقيين، يحملون تقاريرهم الطبية كما لو أنها تذكرة سفر نحو آخر محاولة للنجاة.
في هذا المشهد المرعب، الحكومة غائبة، أو ربما تختبئ خلف تصريحات جوفاء عن “خطط تطوير القطاع الصحي”، بينما الواقع يصرخ بعكس ذلك. أدوية السرطان تختفي من الصيدليات الحكومية، لكنها تتوافر بسعر مضاعف في السوق السوداء! المستشفيات بلا أجهزة متطورة، لكن العيادات الخاصة تتاجر بالأمل بأسعار فلكية. حتى الجرعات الإشعاعية، التي هي أبسط حق لمريض بالسرطان، أصبحت سلعة نادرة لا يحصل عليها إلا من يملك المال أو “الواسطة”!
أما السبب؟ لا أحد يجرؤ على الإجابة. هل هو التلوث الإشعاعي المتراكم منذ حروب لم تنتهِ؟ أم الأغذية المستوردة التي تدخل البلاد بلا رقابة وكأنها شحنات سموم معلبة؟ أم المياه التي تحولت إلى كوكتيل قاتل من الملوثات؟ أم أننا أمام كارثة مفتعلة، عملية إبادة ممنهجة تحت غطاء “الأمراض المزمنة”؟
في هذا البلد، لم نعد نحصي المرضى، بل نحصي الناجين.