سكاي برس/ بغداد
منذ تشريعه في مجلس النواب في العام 2023، يسير تطبيق قانون "التقاعد والضمان الأجتماعي" بخطوات بطيئة وخجولة، في ظل تحديات تعترض طريق تنفيذه من الجانب الحكومي والقطاع الخاص على حد سواء.
وتواجه الفرق الرقابية صعوبات في التأكد من إدراج العمال والموظفين في القطاع الخاص ضمن صندوق التقاعد والضمان الاجتماعي من قبل أرباب العمل، حيث أظهرت الزيارات التفتيشية للمعامل والمصانع والشركات الخاصة أن كثيراً من المؤسسات لم تلتزم بتسجيل موظفيها.
الضرائب جزء من الأزمة
يعد عزوف أصحاب العمل عن تسجيل العمال في صندوق التقاعد مخالفة قانونية صريحة، وفقاً لما أكده ستار دنبوس براك، رئيس اتحاد نقابات العمال، الذي أشار إلى أن "عدم التزام أرباب العمل بتسديد مستحقات العمال في الصندوق يؤدي إلى إحالتهم إلى محكمة العمل، والتي قد تصدر بحقهم قرارات بفرض غرامات مالية أو عقوبات بالسجن".
وفي حديث له، يضيف دنبوس، أن "اتحاد نقابات العمال يسعى جاهداً لمتابعة ظروف العمال في القطاع الخاص لتطبيق قانون الضمان الذي يرعى ظروفهم ويحقق أهدافهم المشروع في التقاعد والضمان"، مبيناً أن "القانون مازال يواجه تحديات عديدة، فكثير من أرباب العمل لا يستجيبون لتطبيق القانون ويتهربون منه".
لا يستطيع الاتحاد متابعة جميع العاملين في القطاع الخاص، والكلام لدنبوس، بسبب قلة الكوادر مقارنة بالمعامل والمصانع والشركات وغيرها، لكن الاتحاد مازال يعمل من أجل الزام القطاع الخاص بحماية العاملين وإدراجهم بقانون التقاعد والضمان الاجتماعي.
ورغم هذه العقوبات، لا يزال العديد من أرباب العمل يرفضون تسجيل عمالهم، ومنهم علي السامرائي صاحب الـ 32 عاماً والذي يملك أسواق جملة في منطقة بغداد الجديدة، الذي قال في حديث له ، إن "السبب الرئيس وراء امتناعه عن تسجيل 12 عاملاً يعملون لديه هو الأعباء الضريبية الكبيرة التي تقع على عاتق صاحب العمل، حيث يُطلب منه دفع المبالغ بأثر رجعي منذ تاريخ فتح الأسواق وتسجيل الاسم التجاري والقيد التجاري، وهو ما يشكل عبئاً مالياً كبيراً".
وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، أعلن في العام 2023، دخول قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال في القطاع الخاص حيز التنفيذ، بعد أن صوت مجلس النواب العراقي عليه، في شهر أيار من نفس العام، في خطوة وصفتها الحكومة بأنها أساسية ضمن الإصلاحات الاقتصادية التي وعدت بها، وضمان حقوق العاملين في هذا القطاع.
ضعف استجابة العمال
لم يقتصر العزوف عن تطبيق القانون على أرباب العمل فقط، بل يشمل أيضاً بعض العمال الذين يرفضون تسجيل أسمائهم في صندوق التقاعد والضمان الاجتماعي، على الرغم من فوائده المستقبلية.
وترجع أسباب رفض العمال إلى انخفاض رواتبهم، حيث تقول أنفال عبد الله، صاحبة الـ 30 عاماً، والتي تعمل في إحدى منظمات المجتمع المدني، إن "الرواتب التي نتقاضاها تتراوح بين 350 إلى 400 ألف دينار كحد أقصى، وإذا تم خصم مبلغ من الراتب، فذلك يثقل كاهلنا، لأن دخلنا محدود أصلًا ولا يكفي لسد النفقات الضرورية".
من جانبه، يوضح أحمد حسن صاحب الـ 22 عاماً، الذي يعمل مندوباً في إحدى الشركات ، أن "بعض العمال يحاولون إقناع أصحاب العمل بتسجيلهم في صندوق التقاعد، إلا أن الرد غالباً ما يكون بالرفض، خشية الضرائب الإضافية التي قد تترتب على ذلك".
ويضيف أن "رئيس الشركة التي يعمل بها اقترح أن يقوم المندوبون بالتسجيل ضمن آلية الضمان الاجتماعي الاختياري، إلا أن 5 فقط من أصل 18 مندوباً وافقوا على ذلك، بسبب محدودية العوائد الشهرية".
وفي العام الماضي، قال مدير الحماية الاجتماعية في منظمة العمل الدولية، إيغور بوسك، إن "قانون الضمان الاجتماعي في العراق يضمن الحفاظ على حقوق العمال والمرونة الاقتصادية لهم"، فيما عد سن القانون بـ "خطوة تاريخية" نحو حماية العمال وتحقيق العدالة الاجتماعية.
إجراءات حكومية ضد المخالفين
وفي هذا الصدد، يقول المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، نجم العقابي، إن "الوزارة تتابع تطبيق قانون التقاعد والضمان الاجتماعي بشكل مستمر"، مشيراً إلى أن "محكمة العمل تفرض غرامات مالية أو تصدر قرارات بالحبس بحق المخالفين الذين تحيلهم الوزارة إلى القضاء".
ويتابع العقابي، قائلاً "لا يحق لأرباب العمل تسريح أي عامل إلا بموافقة خاصة من وزير العمل"، مشدداً على أن "الوزارة تتابع تنفيذ القانون بالتنسيق مع السلطة التشريعية، من خلال زيارات تفتيشية للمؤسسات الخاصة، إلا أن بعض أصحاب العمل يكتفون بتسجيل أقاربهم فقط في صندوق الضمان، مما يعكس تهرباً واضحاً من الالتزامات القانونية".
ويضيف العقابي، أن "الوزارة تستقبل شكاوى العمال غير المسجلين، وتعمل على إرسال مفتشين للتحقق من هذه الحالات وإلزام الشركات بتطبيق القانون".
وسبق أن أشار مجلس النواب العراقي عبر موقعه الرسمي إلى أن "القانون يهدف لشمول أوسع للعاملين في القطاعات الثلاثة (الخاص والمختلط والتعاوني)، وأن كل عراقي سيكون مشمولا بقانون العمل لضمان حياة كريمة للعمال وعائلاتهم".
أرقام وإحصائيات رسمية
بحسب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فإن عدد العمال المسجلين في صندوق التقاعد والضمان الاجتماعي تجاوز 400 ألف شخص، وهو رقم لا يزال بعيداً عن العدد الكلي للعاملين في القطاع الخاص، الذي يقدر بأكثر من 6 ملايين عامل، وفقاً لعضو اتحاد نقابات العمال سميرة ناصر.
وتشير ناصر، خلال حديثها لوكالة شفق نيوز، إلى أن "الوزارة أتاحت روابط إلكترونية للتسجيل الاختياري في الضمان الاجتماعي، إلا أن عدد المتقدمين لم يتجاوز 10 آلاف شخص حتى الآن".
ودعت وسائل الإعلام، إلى "تكثيف حملات التوعية لتحفيز العمال على التسجيل في صندوق التقاعد الاجتماعي، بهدف ضمان حقوقهم مستقبلياً".
وبحسب قانون التقاعد والضمان الاجتماعي، يتم استقطاع 5% من أجر العامل المضمون، وتُدخل هذه النسبة بشكل كامل في حساب ضمان التقاعد، كما يُعفى العامل من دفع أي اشتراكات عن فروع الضمان الأخرى، مما يجعل القانون أكثر ملاءمة للعاملين.
ورغم ذلك، لا تزال التحديات قائمة، ما بين امتناع أصحاب العمل عن التسجيل خشية الضرائب، وعزوف بعض العمال عن الاشتراك في الصندوق بسبب محدودية رواتبهم، مما يتطلب جهوداً حكومية ونقابية أكبر لضمان تطبيق القانون بشكل شامل وحماية حقوق العاملين في القطاع الخاص.