سكاي برس/ بغداد
لطالما كانت أزمة السكن، المشكلة الأساسية لجميع العراقيين نتيجة لغلاء أسعار العقارات خاصة في العاصمة بغداد، حيث بلغ سعر المتر الواحد ببعض المدن أكثر من سبعة ملايين دينار (5000 دولار) وهذا ما دفع الحكومات المتعاقبة للبحث عن حلول لهذه المعضلة، وتوجهت نحو إنشاء مجمعات سكنية في بادئ الأمر بأطراف بغداد، إلا أنها سرعان ما تحولت لمشاريع استثمارية وتجارية، ودخلت أطراف متنفذة على هذا الخط لتستحوذ على مساحات شاسعة داخل بغداد وتحويلها إلى مجمعات بأسعار قد تكون أعلى من أسعار العقارات الأخرى بالعاصمة.
إلا أنه وفي تطور جديد، كشف عضو مجلس النواب زهير الفتلاوي، اليوم الأربعاء، عن تحرك سلطة الطيران المدني لإيقاف منح رخص تشييد المجمعات السكنية في المناطق القريبة من مطار بغداد الدولي، فيما أكد ان هذه المجمعات جاءت بنتائج عكسية لحل ازمة السكن في العراق.
وقال الفتلاوي، إن “هذه المجمعات تمنح طوابق كاملة لشخصيات متنفذة ومسؤولين من اجل عدم اتخاذ إجراءات قانونية ضدها”، مشيرا الى ان “هذه المجمعات تسببت في التأثير على حركة الملاحة الجوية لمطار بغداد”.
وتابع، ان ” هيئة الاستثمار متهمة بمنح إجازات استثمار لا تتوافق مع الضوابط ودون موافقة مطار بغداد الدولي ولا تتطابق مع المواصفات”، لافتا الى ان “عملية ازالة هذه المجمعات خطوة بالاتجاه الصحيح بحسب المواد (487 و493) من قانون العقوبات التي تصل عقوبتها الى الحبس والغرامة على المخالفين”.
وأضاف، أن “أسعار الشقق في هذه المجمعات وصلت إلى ارقام خيالية تتراوح من 100 ألف دولار 500 ألف دولار”، مستدركا بالقول: “تدخلات المتنفذين والأحزاب حالت دون إيجاد الحلول لهذا الملف الشائك وإنهاء الاستيلاء على أراضي مطار بغداد الدولي”.
ولفت إلى أن “المجمعات السكنية القريبة من المطار تؤثر على هبوط الطائرات الاضطرارية وهذا ما يضع ساكني هذه المجمعات في دائرة الخطر”، مبينا ان “هذه المشاريع خالفت الضوابط بارتفاعها المؤثر على حركة الملاحة الجوية”.
وأردف: “أغلب هذه المجمعات شيدت بمخططات وخرائط مخالف للضوابط وللعديد من القوانين المحلية والدولية”، مؤكدا ان “هذه المجمعات جاءت بنتائج عكسية لحل ازمة السكن المتفاقمة في العراق”.
وأعلنت وزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة، في 8 كانون الثاني يناير الجاري، عزمها الإعلان عن ست مدن سكنية جديدة في العاصمة بغداد والمحافظات خلال الأسبوع المقبل.
ويحتاج العراق إلى أكثر من مليوني وحدة سكنية لإنهاء أزمة السكن، بحسب وزارة التخطيط. ومن المقرر أن يعقد اجتماع اللجنة العلمية لمنتدى المدن الذكية في 25 شباط فبراير المقبل، من قبل اتحاد الغرف التجارية العراقية وغرفة التجارة الدولية في العراق، حيث سيتناول المنتدى مجموعة من المحاور الرئيسية، من بينها أهمية التحول الرقمي في تطوير المدن، والفرص الاستثمارية المتاحة في هذا المجال، وأفضل الممارسات العالمية لإقامة مدن تتسم بالكفاءة والذكاء.
وكانت سلطة الطيران المدني قد خاطبت، في نيسان أبريل 2024، هيئة الاستثمار الوطنية من أجل الحد من هذه المجمعات على اعتبار أن بعضها مخالف للضوابط، خاصة تلك التي شيدت بالقرب من مطار بغداد الدولي والتي قد تتسبب بمشاكل عديدة وتعيق حركة الإقلاع والهبوط من مدارج المطار، إلا أن الشركات المتنفذة لم تصغ لتلك المخاطبات واستمرت بإكمال بناء المدن السكنية.
وبحسب مصدر، فإن أغلب المجمعات تشترط دفع الراغب بالحصول على وحدة سكنية في هذه المجمعات، دفعة مالية مقدمة عند تقديمه طلب الشراء وعادة ما تتراوح بين 20 – 25 ألف دولار، وبعد ثلاثة أشهر عليه تسديد الدفعة الثانية بنفس المبلغ، وعند استلام الشقة يسلم الشخص الدفعة الثالثة، وبعد ذلك يستمر بدفع أقساط شهرية تستمر على مدى 15 عاماً، بحسب سعر الشقة.
يشار إلى أن العراق يفتقر لقوانين تنظم بيع وشراء وإيجار العقارات، على عكس دول المنطقة التي تنظم هذه العملية بقانون، وتحدد سعر الارتفاع سنويا، كما تضمن حقوق طرفي العقد في الإيجارات، وتحدد القيمة وفق ما تراه الدولة متوازيا مع طبيعة الأجور والوضع الاقتصادي العام. وكان الجهاز المركزي للإحصاء، قد أعلن مطلع 2024، أنه من المتوقع أن يبلغ عدد سكان العاصمة بغداد تسعة ملايين نسمة، يعيشون بمساحة إجمالية تبلغ 4555 كيلومترا مربعا، فيما بين أن الكثافة السكانية تبلغ نحو 2000 شخص لكل كيلومتر مربع واحد.
يشار إلى أن المواد 487 – 493 من قانون العقوبات عاقبت بالحبس والغرامات على التجاوز على الممتلكات والأموال العامة، كما عاقبت فقرات أخرى ضمن القانون بالغرامات وحجز وغلق على المتجاوزين، سواء كان التجاوز على هيئة مجمعات سكنية أو منازل منفردة، بحسب الخبير القانوني علي التميمي.
وأطلق رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في تموز يوليو 2024، الأعمال التنفيذية في الطريق المؤدي إلى مدينة (علي الوردي) السكنية الجديدة، ووفقا لبيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء فإن “الأعمال التنفيذية للطريق تمتد من أطراف بغداد إلى مدينة علي الوردي السكنية الجديدة في ناحية النهروان جنوب شرق بغداد، ويتضمن العمل إنشاءَ طريق رابط للمدينة الجديدة، بمسار يحقق أفضل المتطلبات التصميمية، ويؤمن انسيابية المرور للمدينة الجديدة من خلال ربطه بالطرق الرئيسية والحلقية”.
وتنتشر المجمعات السكنية داخل العاصمة، بالتحديد في مناطق: العلاوي (أمام متنزه الزوراء)، والبياع، وشارع مطار المثنى، والسيدية، والكاظمية، وحي العدل، وسريع محمد القاسم، حيث تباع شققها بأسعار باهظة تتراوح في المتوسط بين 100 ألف دولار و400 ألف دولار.
وفي العام الماضي، وبحسب مؤشر “ميرسر” الخاص بأفضل وأسوأ مدن العالم للعيش، والذي جمع 231 مدينة، فإن بغداد جاءت بالمركز الأخير كأسوأ مدينة للعيش، بالتقاسم مع العاصمة السورية دمشق. ويشهد العراق ارتفاعا كبيرا في نفوسه، حيث تخطت 45 مليون نسمة، بحسب التعداد السكاني الذي أجري في 20 و21 نوفمبر 2024.
وكانت الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم أكدت في تقرير، أن “الزيادة غير المحسوبة أو غير المدروسة في السكان، تؤدي الى عملية تكالب على الموارد، وبالتالي فان الفجوة الحاصلة بين زيادة حجم السكان وقلة الموارد ستكون كبيرة، وكلما كبرت هذه الفجوة كلما زادت الصراعات داخل المجتمع وليس التنافس على الوظائف فقط، وفي النتيجة ستستمر الفوضى التي يعيشها مجتمعنا”.
وفي ظل ذلك، تبقى الحاجة ملحة لتأهيل شبكة الطرق العامة في العراق، بالنظر لزيادة الحوادث المرورية وزيادة أعداد المركبات، إضافة إلى ضرورة تشييد طرق معبدة وحديثة تكون متكاملة من حيث شروط السلامة لإيقاف تفاقم أعداد الضحايا سنويا في بغداد والمحافظات خاصة مع الشروع بالمدن السكنية الحديثة.