سكاي برس/ بغداد
في عصر تسيطر فيه مواقع التواصل على اهتمامات الملايين، لم يعد "الترند" مجرد ظاهرة عابرة، بل تحول إلى قوة مؤثرة تشكل الآراء، وتحرك الشارع وتصنع النجوم أو تسقطهم في لحظة.
وفي العراق، بات "الترند" أكثر من مجرد محتوى رائج، بل أداة يمكن استغلالها لإثارة الرأي العام، والتأثير على الوعي الجمعي، وحتى توجيه الأحداث السياسية والاجتماعية.
وتشمل "الترندات" وفقاً لمنظور مواقع التواصل الاجتماعي، موضوعات متنوعة مثل الأحداث السياسية والاجتماعية، والتكنولوجيا، والموضة، والرياضة، والمحتويات الترفيهية وغيرها.
ويعتبر مفهوم "الترند" مرادفاً لمصطلح "الموضة" في اللغة العربية، إذ يعبر عن الشيء الشائع والمثير للاهتمام في لحظة معينة.
الترند وتأثيره على الرأي العام
وفقاً لآراء الباحثين، تحوّلت ظاهرة "الترند" إلى وسيلة قوية للتأثير على التوجهات الجماهيرية، حيث تُستخدم أحياناً في تهييج الرأي العام وإثارة الجدل حول قضايا معينة، ما قد يؤدي إلى حالة من الاعتراض وعدم الرضا على مستوى الحياة السياسية والاجتماعية.
كما أن لهذه الظاهرة تأثيراً سلبياً على النسيج الاجتماعي، حيث يمكن أن تؤدي بعض "الترندات" إلى زعزعة الاستقرار من خلال التقليد الأعمى للمحتويات الأجنبية، دون مراعاة القيم والتقاليد المجتمعية.
وفي هذا الصدد، يقول الباحث علي ورد، إن "بعض الترندات تؤثر سلباً على التقاليد والأعراف المجتمعية، حيث تستهدف السلام الاجتماعي وتُروّج أفكاراً دخيلة دون مراعاة خصوصية المجتمع العراقي".
ويضيف أن "هناك منشورات ومقاطع فيديو تحاول جذب المشاهدات بهدف الوصول إلى الترند، لكنها في الواقع تتضمن محتويات سيئة تؤثر على الشباب والمراهقين، وتعمل على تشويه الذائقة العامة، وتعزيز السطحية والأمية الفكرية".
ويشدد ورد، على "ضرورة الفصل بين الحريات الشخصية وبين المحتوى الهابط"، مشيراً إلى أن "بعض صانعي المحتوى يستغلون وسائل التواصل لتحقيق الشهرة والربح المالي بطرق غير أخلاقية، دون اعتبار لما قد يترتب على ذلك من تأثيرات سلبية على المجتمع".
ويتابع ورد، أن "الحريات الفردية لا يجب أن تتجاوز الخطوط الحمراء، أو تؤدي إلى نشر الجهل والعشوائية في الحياة العامة".
وفي ظل غياب الرقابة وضعف دور المدرسة والأسرة والمجتمع، باتت بعض المحتويات الهابطة تنتشر بسرعة عبر منصات مثل "تيك توك" و"فيسبوك" و"إنستغرام"، وتحظى بملايين المشاهدات.
وبغية الحد من هذه الظاهرة، أطلقت وزارة الداخلية العراقية ومجلس القضاء الأعلى حملة واسعة خلال العام 2023 لملاحقة أصحاب المحتوى الهابط، مما أدى إلى تراجع انتشار هذه الظاهرة.
وأكدت الوزارة في وقتها، تلقيها آلاف الشكاوى عبر منصة "بلّغ"، حيث صدرت مذكرات قبض وأحكام بالسجن ضد عدد من الأشخاص المتورطين في نشر محتويات غير لائقة.
الترند كأداة إيجابية في صناعة المحتوى
على الجانب الآخر، يرى البعض أن الترند يمكن أن يكون أداة فعالة لنشر المحتوى الإيجابي، إذا تم توظيفه بطريقة صحيحة. لذلك، يقول علي سالم، صانع محتوى، إن "الترند يعد أحد أهم عناصر صناعة المحتوى الرقمي، حيث يتيح لصناع المحتوى فرصة الوصول إلى أوسع شريحة من الجمهور".
وفي حديث له، إن "الترند يستخدم للترويج للأخبار المتعلقة بالآثار والتراث العراقي"، مؤكداً أن "النجاح في تحقيق الترند يعتمد على عاملين رئيسيين وهما عدد المشاهدات والتفاعلات، والشخصية المؤثرة التي تصنع المحتوى". ويضيف أن "بعض المؤثرين يطلقون أغنية أو حركة معينة تنال إعجاب الجمهور، ثم تنتشر بسرعة على مواقع التواصل بفعل التقليد الجماعي، لتتحول إلى ترند واسع الانتشار".
البعد السياسي والاقتصادي للترند
لا يقتصر تأثير "الترند" على الجوانب الاجتماعية فقط، بل يمتد ليشمل المجالات السياسية والاقتصادية أيضاً. فبحسب الخبراء، يمكن لـ "الترند"، أن يكون أداة قوية لتحريك الجماهير في أوقات الأزمات أو خلال الأحداث السياسية الكبرى، حيث تستغل بعض الجهات وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير على الرأي العام بطرق موجهة.
ومن الناحية الاقتصادية، تؤدي "الترندات" أيضاً دوراً مهماً في التسويق والإعلانات، حيث تعتمد الشركات والعلامات التجارية على الترندات للترويج لمنتجاتها وخدماتها، مما يؤدي إلى زيادة المبيعات وتحقيق الأرباح.
لكن في الوقت ذاته، يمكن للترند أن يكون سلاحاً ذو حدين، حيث يُستخدم أحيانًا لنشر الفوضى والأخبار الكاذبة التي تهدف إلى إثارة البلبلة في المجتمع.
الترند بين الإبداع والتقليد الأعمى
من جانبه، يرى ذو الفقار حسن، صانع محتوى، أن "الترند ينقسم إلى إيجابي وسلبي، حيث يمكن لأي شخص أن يحقق الترند عبر نشر محتوى معين، سواء كان جيداً أم سيئاً".
ويشير حسن، خلال حديثه، إلى أن "بعض صانعي المحتوى يستغلون الترند لتدمير القيم والسلوكيات، من خلال نشر محتويات تافهة تستهدف العقول الشابة، بينما توجد جهات ومنظمات تسعى عمداً إلى نشر الفساد عبر وسائل التواصل الاجتماعي".
ويضيف حسن، أن "هناك دورات تعليمية مخصصة لصناعة المحتوى الناجح والترويج له، حيث يتم تقديم استراتيجيات تسويقية تضمن انتشار المحتوى بشكل واسع". كما تطرّق إلى أحد "الترندات" التي انتشرت مؤخراً في العراق، حيث قام أحد الطلاب بمخاطبة معلمه باسمه الأول دون استخدام لقب "أستاذ"، ونشر المقطع على وسائل التواصل، مما دفع العديد من الطلاب إلى تقليده.
أثار هذا "الترند" جدلاً واسعاً، مما دفع وزارة التربية إلى اتخاذ إجراءات قانونية لمحاسبة الطلاب المتورطين. وبحسب مركز الإعلام الرقمي (DMC)، بلغ عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في العراق 34.3 مليون شخص، وفقاً لإحصائيات 3 آذار 2025، ما يمثل 73.8% من إجمالي عدد السكان. ويشير التقرير إلى أن هذا الرقم شهد ارتفاعاً مقارنة بالعام الماضي، حيث كان 31.95 مليون مستخدم.
ويؤكد باحثون أن "شركات التواصل الاجتماعي تسعى إلى جمع بيانات المستخدمين بشكل مستمر، مما يتيح لها التلاعب بخوارزميات العرض لجذب المستخدمين وإبقائهم أطول وقت ممكن على المنصة". ويصفون هذا الأمر بأنه "سلسلة حلزونية لا تنتهي"، حيث يتم تحفيز المستخدمين باستمرار عبر المنشورات والصور والمقاطع المرئية.
الترند والتحول إلى عالم افتراضي
في المقابل، يعلق أستاذ علم التاريخ محمد حريب، على ظاهرة "الترند" بقوله إنها حوّلت الوجود الإنساني إلى عالم افتراضي، حيث بات كثيرون يسعون لإثبات حضورهم على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال التفاعل مع الأحداث الجارية.
ويضيف حريب، أن إصرار الأفراد على تسجيل وجودهم الرقمي عبر النشر، الإعجاب، والتعليق هو بمثابة محاولة لإثبات الشخصية في عالم يتغير بسرعة فائقة